المحافظة عاوزة تردم بسيين الشاليه بتاعي

في إحدى جروبات الفيسبوك الخاصة بالمهندسين حديثي التخرج، كتب أحدهم قصته شاكياً بالنص: روحت النهارده إنترفيو في شركة وبعد ما فرمني أسئلة، سألني: عاوز تقبض كام؟، فقلت له: حضرتك أكيد ليكم سيستم في الشركة للمرتبات ماشيين عليه، فقام قايلي: 1800 جنيه ينفعوا معاك؟ فبيقول قمت سألته: إنتو يومية الصنايعي عندكم كام؟

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/26 الساعة 03:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/26 الساعة 03:14 بتوقيت غرينتش

-ممكن سؤال يا عم الشيخ؟
=اتفضل يا بني
-هو الشغل بقى حرام!!

بهذه الجملة العبقرية لخص "بلال فضل" في فيلمه الكوميدي "وش إجرام" ، الحالة التي وصل لها الشاب طه (محمد هنيدي) بعد أن كلّ من رحلته للبحث عن وظيفة في العديد من الأماكن، والتي كان يأتيه منها جواب واحد: يللا ياض من هنا.

أتذكر هذا المقطع من الفيلم كل صباح في رحلتي الجديدة للبحث عن وظيفة، ومحاولاتي كلها التي باءت بالفشل حتى الآن، فترتسم على وجهي إبتسامة بسيطة، ما تكاد تُمحى عندما أتذكر أن هذا الفيلم كان من إنتاج عام 2006، أي من حوالي أحد عشر عاماً.

فأتساءل في نفسي: ماذا لو أن بلال فضل سيكتب هذا الفيلم اليوم، ماذا إذاً سوف يكتب؟ وكيف سيكون حال طه الآن؟

الزمان: صيف عام 2007. المكان: أحد شاليهات مرسى مطروح.

أبي يجلس على كرسي أمام الشاليه وفي مقابلة أمي، يفصل بينهما ترابيزة يلعبان عليها الشطرنج، وأنا أجلس بينهما بعد ظهور نتيجة المرحلة الأولى من الثانوية العامة الخاصة بي نتناقش عن ما إذا كنت سأكمل "علمي علوم" أم "علمي رياضة"، كان مجموعي حينها حوالي 93%، فرأى أبي أن طريق (علمي علوم) مجازفة غير مأمونة العواقب ، فسيتحتم علي أن أحصل على 99% أو يزيد في المرحلة الثانية، كي ألحق بإحدى الكليات المسماة بالقمة (صيدلة أو طب أسنان)، وهذه تعتبر مهمة شبه مستحيلة.

حينها قال لي أبي بنبرة الواثق: إنت تدخل علمي رياضة وتذاكر وتشد حيلك وتدخل هندسة، أهو على الأقل لما تتخرج تلاقيلك شغل على طول
وبالفعل التحقت بشعبة "علمي رياضة" وتحققت نبوءة أبي كاملة إلا بنداً واحداً، إني مالقتش شغل.

(وزارة من فات قديمه تاه للتعليم العالي)

في أحد إمتحانات الميدتيرم للسنة الرابعة من كلية الهندسة في مادة الرياضيات كان هناك معادلة تُسمى "معادلة لابلاس" أو بالأدق "قصيدة لابلاس"، عبارة عن 3 معادلات مليئة بالرموز والأُسس والعلامات، الخطأ في رمز واحد في التعويض يُفسد المسألة من أولها لآخرها (يُرجى البحث عن معادلة لابلاس في جوجل)، وهذه المعادلة على ضخامتها تُعتبر خطوة من خطوات حل المسألة وليست المسألة بالكامل، قرر أحد أصدقائي أن هذه المعادلة اللعينة لا يُمكن أن تُضيع منه سؤال عليه ربع درجات الامتحان، فكتب المعادلة على ظهر المسطرة ودخل بها الامتحان، وللأمانة قرر البقية أن يحاولوا حفظ المعادلة، ولكن إذا فشلوا فسوف يلجأون إلى مسطرة صديقي هذا داخل اللجنة، وبالفعل فشلنا في حفظها وقررنا اللجوء للمسطرة، وفي أثناء اللجنة وعن طريق الصدفة البحتة، اكتشف الدكتور أمر المسطرة فأخذها من صديقي هذا، وللأمانة كان رحيماً به، رُبما لأنه يعلم في قرارة نفسه بصعوبة المعادلات، ولكنه أمطرنا بمحاضرة طيلة اللجنة كان مفادها: يا ولاد أنا قلبي عليكم، إنكم تتخرجوا مش فاهمين حاجة، فتبقوا الاسم مهندسين بس الحقيقة بهايم، والفنيين والصنايعية يضحكوا عليكم بعد كده.

بعد أن تخرجت وبدأت في الاحتكاك بسوق العمل، اكتشفت أننا بالفعل كما قال الدكتور تخرجنا "الاسم مهندسين بس الحقيقة بهايم" ، ولكن ليس لأننا لم نحفظ "معادلة لابلاس"، ولكننا بهائم لأننا ظللنا طيلة 5 سنوات أو يزيد ندرس في مناهج منتهية الصلاحية يشرحها أساتذة علاقتهم بسوق العمل كعلاقة أحمد شيبة بالنانو تكنولوجي.

(الخيلُ والليلُ والبيداءُ تعرفني والسيفُ والرمحُ والقرطاسُ والقلمُ، فكك من ده كله معاك واسطة).

يقال لك بعد التخرُج وانتهائك من تأدية الخدمة العسكرية أن أولى خطوات البحث عن وظيفة، هي كتابة السيرة الذاتية الخاصة بك CV، ولكي تجد شيئاً ما تكتبه في الـ(CV)؛ كي يكون محل تقدير، لابد لك من تعلم الإنكليزية والتعامل مع الكمبيوتر بشكل جيد، وتعلم الإكسيل والوورد وإذا كنت مهندساً مثلي فضف عليهم الأوتوكاد والريفيت والسوليد وورك والساب والهاب ولا مانع أيضاً من الفوتوشوب، ثم إذا تعلمت هذا كله وظننت أنه قد حيزت لك الدنيا بحذافيرها، وتظُن أنه بينك وبين الوظيفة أو الشركة التي تحلم بها ذراعاً، تكتشف في "الإنترفيو" أن "عمو نادر" و"عمو مدحت" و"أونكل ياسر" و"أونكل طارق".. إلخ قد حسموا ما لم يحسمه الـcv، وأن معرفة أحد "الأونكلات" أفضل بكثير من معرفة جميع أنواع برامج الكمبيوتر منذ خُلق الـ DOS ووصولاً لـ WINDOWS 10.

(أنا عاوز أتعامل معاملة حرامي غسيل)

في إحدى جروبات الفيسبوك الخاصة بالمهندسين حديثي التخرج، كتب أحدهم قصته شاكياً بالنص: روحت النهارده إنترفيو في شركة وبعد ما فرمني أسئلة، سألني: عاوز تقبض كام؟، فقلت له: حضرتك أكيد ليكم سيستم في الشركة للمرتبات ماشيين عليه، فقام قايلي: 1800 جنيه ينفعوا معاك؟ فبيقول قمت سألته: إنتو يومية الصنايعي عندكم كام؟ قال له: 150 جنيه، قال له: أنا عاوزك تعاملني كصنايعي مش كمهندس.
فرد عليه شخص آخر في الكومنتات، بفوتو كومنت لعادل إمام في فيلم "عمارة يعقوبيان" مكتوب عليها: البلد دي مش محتاجة مهندسين، البلد دي محتاجة صيع!!

(إدعي لي ياما!! روح يا بني ربنا يرزقك بكفيل يهونها عليك)

إذاً ما الحل؟ تفني حوالي ربع قرن من عمرك لتكتشف أنه لم يزد عليك شيء منذ ولدت إلى الآن سوى شهادة ورقية (نصف A4) مكتوب عليها شهادة تخرج مصحوبة بصورتك مبتسماً، شهادة لا تُسمن ولا تُغني من جوع، ومطلوب منك أن تبدأ في رحلة أخرى ليست أقل بؤساً وهي رحلة الزواج، فيكون أمامك حلان لا ثالث لهما، إما أن تنظر للأمور بواقعية شديدة مؤلمة وتتخلى عن دراستك وشهادتك وتجمع كل سنوات عمرك التي مرت في كيس بلاستيك أسود وترميها في الزبالة، وتبحث عن الرائج وتعمل به، تجارة عملة، سمسار أراضي، مطعم، كافيه.. إلخ.
وإما أن تترك البلد برمتها وتتحمل عناء الغربة وتُسافر للخارج وفي الغالب ستكون إحدى دول الخليج، وهذا الحل رغم قساوته قد أصبح شحيحاً وصعب المنال أيضاً، نظراً للظروف الاقتصادية المضطربة التي يمر بها الخليج عموماً والمملكة العربية السعودية خصوصاً، فالحلان كلاهما مر.

ثم بعد هذا كله أستعجب ممن يستغربون من سبب إحباط الشباب ويتهمهم بأنهم كُسالى معدومو الهمة سريعو اليأس وفقدان الأمل، فيحاول إقناعهم بأن هذا البلد مُمتلئ بالوظائف والشغل، ولكنهم يتبطرون.

أخيراً ينتهي مشهد طه في رحلته للبحث عن الوظيفة، بأن يُقابله شخص كبير في السن، فيجده حزيناً يائساً مكتئباً فهو قد فشل في الحب والشغل والزواج على حد قوله، فيقول لطه مستهجناً: يا بني إنت شاب لسه صغير والدنيا قدامك مفتحة إيه إللي يخليك تيأس؟

فيرد عليه طه باندهاش وتعجب: إيه إللي خلاني أيأس! لا مفيش حاجة فعلاً تخليني أيأس، هو بس المحافظة عاوزة تردم البسين بتاع الشاليه بتاعي في مارينا، وأنا بحب البسين ده أوي يا حج!!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد