.. جاءني رمضان هذه السنة في موقع مختلف جداً عن موقع لقائي به السنة الماضية.
جغرافياً كان اللقاء أقرب إلى قلبي حتماً من أميركا (بكثير!)..وهو أمر كاف لوحده.. لكن شاء الله عز وجل أن يكون الأمر أكثر من مجرد الجغرافيا.. وشهدت الأيام القليلة التي سبقت رمضان التقائي أخيراً بأسرتي على أمل الاستقرار معاً هذه المرة وليس على أمل الزائر الذي يأتي لأسبوعين ويرحل ومعه المزيد من الحسرة.
التقينا أنا وأسرتي ورمضان في عنق زجاجة.. لم نتخيل، لا أنا ولا زوجتي، أن يأتي رمضان وأنا في الفندق (لأسباب لا مجال للخوض فيها ولكون عملي الوظيفي لم يكن قد بدأ رسمياً بعد).. وهي والأطفال عند أقارب.
كان ذلك الوضع الطارئ يبدو أكثر شذوذاً عندما يكون رمضان جزءاً من الجو.. مررت بالغربة وبرمضانها، لكن هذا الوضع "الافتراضي" كان خارج قدرتي على التخيل.. (إفطار في الفندق!).
عنق الزجاجة هذا ورمضان الذي على الأبواب يكاد يطرقها جعلني أكون أكثر حسماً في قطع التردد والمنزلة المحيرة الواقعة بين منزلتين (الاستقرار واللااستقرار).. جعلني رمضان أكثر قدرة على المخاطرة، بل وحتى التسرع، وبدلاً من انتظار توقيع ما يسمح لي بعقد الإيجار.
وضعني رمضان أمام الأمر الواقع، وجعلني أضع نفسي والجميع أمام الأمر الواقع.. علي أن أستقر وأولادي تحت سقف واحد، وأن نفطر معاً ونتسحر معا ونذهب إلى التراويح معاً.. لا أتحدث هنا عن مجرد بقاء معاً تحت سقف وبين جدران أربعة..بل عن المعنى الأصلي للمسكن الذي يحتوي حتماً السقف والجدران، ولكن يبنى أيضاً على السكن.. على السكينة.. على المعنى الأهم والأدق للمسكن..على الانتماء معاً قبل تناول الطعام معاً.
وضعني رمضان أمام تلك الحقيقة، أخبرني، بل أمرني حقيقة، أن "أعدل وضعي" بسرعة.. أن أسرع لأجمع نفسي وعائلتي بكل ما يمكنني القبض عليه من المعاني ومن وسائلها أيضاً.
وهكذا قابلني رمضان، سنة تلو أخرى، في مكانين مختلفين تماماً، وجعلني أتعرف من خلاله على معان مختلفة تماماً، ولكنها أساسية تماماً في الوقت نفسه..كما لو أن رمضان يمتلك حزمة من المعاني تكون كافية لأي وضع يمكن أن يكون فيه الإنسان.
هل هناك وضع يمكن أن يقابلك فيه رمضان، فلا يحمل معه فيه كل ما تحتاج من معان؟ هل سيجيئك رمضان يوماً وأنت على حالة لا يكون له فيها ما يجعلك أقوى وأكثر قدرة؟
يأتيك في الغربة فإذا به صديق الصمت والعزلة، يأتيك في مفترقات الطرق فيجعلك تحسم وتحزم أمرك، يأتيك وأنت في مرحلة انتقالية فيمنحك الصبر وقد يكون كل ما تحتاجه، يأتيك وخيوط حياتك تتجمع حولك كخيوط العنكبوت فإذا به يقطعها ويمنحك فسحة جديدة من الضوء والتغيير.. يأتيك وقد تقطعت أواصر ما كان يجب أن تقطع، فإذا به الحجة التي من خلالها تعيد الربط والارتباط.
على أي وجه تكون وأي وجهة..يمكن لرمضان أن يصحح وجهتك.
هذا طبعاً، إن فهمته كما يجب أن يكون.. وليس كما هو عند البعض: شهر المسلسلات.
المسلسلات.. أوف!
يُتبَع
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.