لطالما تساءلت كسائر البشر عن السعادة، أهي في مال وسُلطة، أم في كثرة الترحال، أم في رفيق حياة وأولاد حولك، أم في منصب مرموق وعمل ناجح، أم في طعام وشراب شهي؟ أما عن كل ما سبق فقد اختبرته، وعلى كل الأوجه، وكنت أظن نفسي أحيا حياةً سعيدةً ومثالية، حتى أتى يوم فوجئت فيه أن جسدي لا يستجيب لي بالشكل الكافي، وأنني أصبحت غير قادر على مجاراة أحلامي، فلا عدت أجد في المتاجر مقاس ما أريد أن أرتديه وقتما أريد، ولا عدت أستطيع الجلوس على راحتي في مقاعد الطائرات، خانني ظهري فهاجمني بكل قسوة معلناً اعتراضه عما يحمله من أثقال حتى ركبتي أبتا إلا أن تقرعاني بآلام يوميه.
أصبحت أكثر حدة في التعامل مع شريكتي وأطفالي، غير قادر على مجاراتهم في لهوهم، أصبحت رجلاً أكثر عصبية في عملي، سريع الإرهاق لاهث الأنفاس، أصبحت آكل لإرضاء رغبات النهم وليس عن جوع حقيقي.
كنت أتفنن في البحث عن مطعم جديد أجربه وصنف جديد أتذوقه، ويوماً بعد يوم أصبحت كارهاً لأن أقوم بأي حركة إضافية.
محطاتي الأساسية تتمثل في سيارتي -التي كنت أوقفها أمام مدخل بيتي مباشرةً- ثم المصعد الذي آخذه رأساً للطابق الذي أقصده، إذا ذهبنا للتسوق ولم أجد مكاناً لانتظار لسيارتي أمام المدخل مباشرة.. ذهبنا إلى مكان آخر. أصبحت أبحث عن أقل قدر من الحركة والمجهود البدني في حياتي.
لم أكن أهتم كيف أصبح وزني وحجمي، فأنا طويل القامة عريض المنكبين، وبطبيعة الحال كنت أظهر بمظهر العملاق وليس البدين المترهل، وهو ما ساعدني على التحايل في إخفاء بدانتي عن الآخرين، لكنني كنت الوحيد الذي يعلم حقيقة وزنه، كنت أقف يومياً أراقب عقرب الميزان الساخر يميل إلى اليمين ويقترب من المائة والثلاثين كيلوغراماً.
وكان دائماً القرار والحل هما برنامجاً غذائياً قاسياً وممارسة بعض الرياضة بلا نظام، وشرب كثير من الأعشاب التي يدّعون قدرتها على حرق الدهون وتناول أي حبوب تساعد على إنقاص الوزن وعمل بعض تمارين البطن.
يتزامن مع هذا كله، الصبر على الجوع والإرهاق والتعب وتدهور الصحة.
وبعد عدة أسابيع كنت أقف فوق الميزان مرة أخرى فأجد العقرب قد تراجع قليلاً إلى اليسار معلناً التخلص من عدة كيلوغرامات فأعاود الكرة -ولكن بعزيمة أقل وحماس فاتر- ثم أعود للميزان فأجده ثابتاً لا يتزحزح كجلمود صخر فاستسلم وأرجع لعاداتي الغذائية الخاطئة مرة أخرى وأضع سجادة الصلاة فوق الميزان محاولا إخفاءه.
كنت أنا والميزان ندخل هذه المعركة معاً عدة مرات على مدار العام، ولا نصل لنتيجة مُرضية أبداً، حتى جاء يوم كنت مسافراً فيه لبلد آخر، وأنا معتاد على وزن حقائبي قبل السفر للتأكد من وزنهم تجنباً لأي مصاريف إضافية.
وضعت حقيبتين على الميزان وكان وزنهما 40 كيلوجراماً، توقفت برهةً ونظرت إليهما، ثم خطوت فوق الميزان وقرأت الرقم المرعب: مائة وثلاثون كيلوغراماً وأنا طولي 185 سم، أي أنني ربما أحمل نفس وزن الحقيبتين في جسدي ولكن على شكل دهون. جلست بجوار الحقيبتين مصدوماً من فكرة أني أسير منذ عشرة أعوام بحقيبتي سفر بشكل مستمر!
تخيلتني أتحرك بهما في كل مكان، كيف أذهب لعملي كل صباح بحقيبتي سفر، كيف ألهو بهما مع أطفالي، كيف أنام على فراشي بهذا الثقل كل يوم، ووجدتني متألماً على ما صرت عليه فقد كنت شاباً رياضياً مفعماً بالحركة والنشاط، كيف آل بي الحال إلى حقيبتي سفر! وكان هذا اليوم هو نقطة التحول في حياتي وقرار السعادة المؤجل وكانت هذه هي الانطلاقة الحقيقية في أول طريق رحلتي وقدرها خمسة وأربعون سنتيمتراً من السعادة وهو مقدار ما خسرته من محيط خصري.
هذه التدوينة بداية سلسلة عن كيف تخسر وزنك وتكسب حياتك من الألف إلى الياء بدءاً من الأكل والرياضة وكيفية مواجهة الصعوبات والثبات على نظامك حتى الإحباطات من المحيطين بك في أثناء رحلتك لخسارة الوزن؟ وكيف قررت خوض عالم التغذية ودراسته بشكل علمي ممنهج ومشاركة خبراتي مع الآخرين.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.