عندما صدمني برنامج الصدمة في نفسي

في العام الماضي -بعد رمضان السابق بقليل- كنت في أحد المولات التجارية، صعدت السلم الكهربائي وخلفي سمعت صراخ طفل صغير، التفتّ لأجد امرأة تشد شعر طفل -الذي هو واضح- ولدها، الطفل يبكي ويتوسل لها وفجأة تتركه؛ لتبدأ وصلة من السادية تجعلك تظن أنك في ألمانيا النازية

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/24 الساعة 06:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/24 الساعة 06:56 بتوقيت غرينتش

لم يتبقَّ على شهر رمضان الكريم سوى أيام معدودات، أعاده الله عليكم بالخير والبركات.

لكني هنا لأتذكر معكم حالة فريدة في الإعلام العربي ألا وهو برنامج "الصدمة"، الذي كان يعرض مواقف من الشارع العربي، يتطلب تدخّل المارة المحيطين ليوقفوا الموقف أو يساعدوا أحدهم، ولاقى الكثير من الاستحسان والمشاعر الطيبة تجاهه، وأتمنى أن تكون الأخبار عن موسم جديد له في رمضان المقبل صحيحة.

كنتُ عندما أشاهد برنامج الصدمة في رمضان، أتفاعل معه بطريقة غير عادية، ويثير خيالي وأنسج قصصاً ومواقف لي في المشاكل التي تطرحها كل حلقة، لكني اكتشفت أن مَن شاهد ليس كمن شارك.

خارج رؤية الكاميرا

في العام الماضي -بعد رمضان السابق بقليل- كنت في أحد المولات التجارية، صعدت السلم الكهربائي وخلفي سمعت صراخ طفل صغير، التفتّ لأجد امرأة تشد شعر طفل -الذي هو واضح- ولدها، الطفل يبكي ويتوسل لها وفجأة تتركه؛ لتبدأ وصلة من السادية تجعلك تظن أنك في ألمانيا النازية.

كانت تتركه فيسرع بعيداً عنها ثم ترفع صوتها بكل هدوء وثقة لتقول له أن يأتي، فيبكي أكثر ويشير برأسه لا، فتكمل بنفس النبرة الهادئة الحازمة مهددة بويل إن لم يأتِ، فينصاع الطفل لها وهو يرتجف، فتمسكه من شعره حتى يتوسل لها فتتركه، وتعيد نفس الطقوس السادية، أُعيد هذا المشهد أمامي عدة مرات، وكان فرد من عائلة الطفل يراقبهما غير بعيد في ملل منتظراً انتهاء هذه الفقرة على نفسه.

تذكرت على الفور إحدى حلقات برنامج الصدمة الذي كان في مقهى عام فيه أم تضرب ابنها بكراس الدراسة؛ لأنه لا يفهم الدرس، فيتدخل البعض لحثها على ألا تفعل ذلك في ابنها، وآخرون بلهجة حادة، تذكرت ذلك وتذكرت خيالي الشهم الذي أخذ يشخط في تلك المرأة المجرمة التي تضرب ابنها.

في الحقيقة هذا الضرب كان مزاح أطفال بالنسبة للذي أرى، أنظر خلفي متردداً: هل أتدخل؟! فكرت ألف مرة في التدخل، لكني خشيت أن أتسبب لنفسي بالمشاكل والإحراج لنفسي، لماذا لا يتدخل الناس أليس في المارة أمهات رقيقات القلب؟! أليس هناك رب أسرة ينفطر قلبه لهذا الموقف؟! أليس هناك شاب مثلي يدعي الشهامة؟! تمنيت أن يكون هذا برنامج الصدمة نفسه حتى يُزال الخجل من عليّ، فلو كانت كاميرات مختبئة هنا وهناك لوفرت لي شيئين، حدوداً للمشاكل التي قد أسببها أو تُسبب لي، بالطبع سيتدخل أحدهم لو تطور الأمر، وإظهار نفسي كبطل رفض أن يُهان طفل أمامه، في الحقيقة الكاميرات تثير خيال الشهامة، لو وضعوا لافتة مكتوباً عليها "توجد كاميرات تصور" لتقاتل الناس على إظهار شهامتهم أمامها.

في النهاية استسلمت ومشيتُ وأنا بحالة صدمة في نفسي، يبدو أن الشهم الذي كنت أتمثله في خيالي لا يطأ الواقع أبداً، وأن الجبان المتواري وراء الخوف جاثوم في أرض الواقع.

لستُ هنا لقول حكمة بل لعرض فكرة، فكرة اختلافنا عما نبدو أمام أنفسنا فهذا أشد الألم، لو كنتُ وغداً كاذباً في خيالي لأصبح الأمر مقبولاً، لكن – للأسف – يجب أن يكون الإنسان متوافقاً مع أفكاره على أرض الواقع لا لكي يصبح بطلاً بل ليكون – على الأقل – سوياً أمام نفسه.

لا يجب أن نريح أدمغتنا تجاه المواقف طوال الوقت، يجب أن نكون وسط الإحراج والمشاكل لو كان ذلك من شأنه أن يساعد فعلا، وهذا أمام أصغر الأمور حتى أكبرها وأعظمها شأناً، ذلك المبدأ "إراحة الدماغ" – الذي لا يريح الدماغ أبداً – بداية من ارتفاع الأسعار والإهمال وانحلال الأخلاق، حتى الأمور السياسية في البلاد، هذا الجانب السلبي لا بد أن ينتهي، حتى نرتاح فعلاً، هنا يظهر أني أفتعل حكمة، يبدو أن جزءاً منّي وغد كاذب بالفعل.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد