لم تكن الحياةُ على طَــرْفِ الثُّمَامِ أبداً، لقد كنتُ مستلقية على سرير المستشفى لهدف واحد فحسب: هو البقاء. كان وَقْعُ الألم الذي أعانيه شديداً للغاية؛ فكانت لدي 12 فقرة مكسورة، وثقبان في الرئتين، وكسور متعددة في الأضلاع، وكسر في عظام الترقوة، ولكن مع ذلك كان عندي صفاء جميل، لحظة فريدة كان يحدوها بين الفَينة والفينة مسار واحد فقط، وكنت أعيش اللحظةَ تِلوَ اللحظةِ مع عجزي عن التأثير فيها، لقد كان استرخاءً تاماً من وجهٍ ما.
لقد مضى الآن سبع سنوات منذ أن كنتُ أتدرب لأتأهل للأولمبيات 2012. وما برحتُ "أعيش الحلم" في أكون لاعبةً أولمبيةً، كنتُ أتذوق شيئاً قليلاً من النجاح الدولي، ومعايشة المشاركة الدولية، وأحلم بإرشادات كيلي هولمز، وأتخيل لحظة اختياري لأتدرب بدوامٍ كامل في برنامج الترياتلون البريطاني 2012.
وفي يوم الأحد ذاك، كنت أخطو خطواتٍ قصيرةً نحو المرحلة الأولمبية، فكنت أقضي ساعتين في السباحة، وساعتَين في ممارسة جولتي الطويلة المعتادة بالدراجة، وعندها تغير مصيري، وأصبحت أرقد على الأرض لا حولَ لي ولا قوة، محاولةً أن أحتمل الألم، ولم تكن عندي القدرة على فعل أي شيء آخر، ولم أكن مدركة تماماً لما يحدث حولي، ولا واعية بالفوضى العارمة التي تجوب المحيط، وكنتُ أنا الشخص الوحيدَ الذي لم يفكر أبداً في أنني قد لا أنجو من تلك الحادثة، وربما أموت.
لكني كنتُ محظوظة بما لا يمكن تصديقه، وإن كنت تركب دراجة، فسوف يأتي وقت تنزل عنها، وعند نزولك عنها فأنت ترجو ألا تقابلك سيارة لاند روفر قادمة من عَلُ، وهي تسحب مقطورة مرتبطةً بها، أما أنا فقد أدار لي الحظُّ ظهرَه، وأنا مدينة بحياتي لطبيبِ فريقِ "نمور لسْتر / Leicester Tigers" الذي مرّ في هذا الوقت، ولخدمة الإسعاف الجوي، ولولا تسخيرُهما هناك، لَما كنتُ نجوتُ.
سرعان ما وصلت المستشفى، وعزمتُ على أن أثبت استحقاقي للمكانة التي كنتُ أحلم بها في البرنامج، لقد كنتُ أسقط من شدة اللياقة البدنية، وكنت أتدرب لمدة 35 ساعة في الأسبوع بما لا يدع لي مجالاً للتفريج عن نفسي. لقد كان لدي الكثير من العمل والمجهود، كان يقيم ظهري بعضُ الأشياء المعدنية، ولا تزال عظمة الترقوة مكسورة، وكنتُ مصابة بالكدمات وجسدي مشوَّه في كل مكان، لكني برغم ذلك علّمتُ نفسي كيفية التنفس والمشي والجري والسباحة مرة أخرى.
ولكني على مستوى العقلي كنتُ أواجه تحدياً كبيراً، فإنّ جسدي كان أضعف مما كنت أعتقد، لقد أصبح لجسدي شكل مختلف، ولم يعد يتحرك بالطريقة التي كنت أعتقدها، ولكي أرجع إلى الترياتلون اضطررتُ إلى التغلب على مخاوف ركوب الدراجات، حتى إنني لم أكن أعلم أنني مضطرة إلى ذلك. كنتُ أبكي وأهتزّ وأخجل من نفسي أثناء تدريبات ركوب الدراجة، لقد كان الأمر محبطاً ففقدتُ الثقة.
كنتُ أستيقظ كل يوم مع هذا العذاب في ظهري وأستمر بلا شك ولا مواربة في مواصلة برنامج التدريب الشديد، وبالتركيز المستمر على تحسين الذات، استطعتُ أن أعود إلى أحد سباقات الترياتلون الدولية، بعد ستة أشهر من يوم أنْ توقفتُ على جانب الطريق في ذلك اليوم المعلوم، حققتُ المركز الرابع، ويظل هذا الانتصار أحد أعظم إنجازاتي في الحياة.
وبعد إجراء المزيد من العمليات الجراحية على عمودي الفقري، التحقتُ بالجامعة مرة أخرى وكانت النتيجةُ مثيرةً، فأنا لم أكن أستمتع حقاًّ بالتدريب. فإن الانضمام إلى برنامج كامل من التدريب للتأهيل لسباق الترياتلون يعني العمل الشاق لمدة 35 ساعة في الأسبوع، بين التدريبات الطويلة والمتكررة والمنفردة.
لقد أدركتُ أنه لكي أحصل على اللقب الأعلى في العالم، فإنني محتاجة إلى تدريب نفسي لأربع سنوات أخرى، على أمل ألا أتعثر ويصيبَني سوء الحظ. وللمرة الأولى فكرتُ في كل الأشياء التي لم أستطع القيام بها، كنتُ أبلغ 21 عاماً، ومع التدريب لمدة 35 ساعة في الأسبوع لم يكن بإمكاني البحث عن وظيفة، ولا يمكنني استكشاف العالم من حولي ولا السفر ولا الاستجمام في عطلات نهاية الأسبوع، ولا ممارسة الرياضات الجامحة التي قد تصيب المرء بإصابة، ولم تكن تكلفة الفرصة البديلة من التدريب المتكرر تستحق حتى ميداليةً أولمبية.
تكاثرتْ عليّ الديون، فقد لبثتُ في مرحلة العلاج والاستشفاء عُمراً أعيش على سخاء الآخرين، وكل ما أردته أن أستعيد حياتي وأجمع ما يكفي من المال لإنقاذ روحٍ واحدة على الأقل؛ لذا سافرت إلى بكين ومارستُ ركوب الدراجة في المنزل، جمعتُ تبرعاتٍ بقيمة 10 آلاف جنيه إسترليني لخدمة الإسعاف الجوي واستقررتُ في "وظيفة حقيقية"، وسرعان ما جمعتُ شيئاً غريباً، لم أكن أتدرب، بل كنت أرهبُ فِعلَ ذلك، وهو شيء كنتُ أملأ به حياتي من قبل.
لقد أدهشني إدراكُ أنّ الغالبية العظمة من البالغين لا يمارسون التمارين بالقدر الذي ينبغي لهم، والسبب أنهم لا يحبون ذلك، لقد كان التمرين مجرد حركة، لكنّه موضوع في إطار باعتباره واجباً سلبياًّ لا داعيَ له؛ لذا استَقلتُ من عملي لكي أصنع المرح والمتعة من الرياضة! وأسستُ مبادرة "Rabble"، وفيها نحولّ التدريب إلى لُعبة، حتى يمكنك أن تبلغ أقصى طاقتك في اللعب لتحقيق الفوز ومن ثَمّ الوصول إلى اللياقة البدنية بدون أن تشعر.
ومن جُملة الألعاب التي نمارسها: لعبة بلدُغ البريطانية، والتقاط العلَم، والكرة الخادعة، والصحن الطائر، وألعاب الجوع… وغيرها الكثير، صُمِّمت جميع الألعاب لتكون ممتعة، ومتنوعةً في كل مرة، حتى يتسنى لأي أحدٍ المشاركةُ فيها دون أن يكون عنده أي خبرة سابقة.
ولذا فأنا الآن أعيش الحلم، وأعمل في مهمة أؤمن بها حقاً، محاولةً إحداثَ تغيير إيجابي في حياة الناس، مع تقدير حقيقي للأمور المهمة في الحياة، وأنا محظوظة حقاً بمكانتي هذه في الحياة، ومصمِّمة على عدم إضاعة يومٍ واحد منها.
– هذه التدوينة مترجمة عن النسخة البريطانية لـ "هاف بوست". للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.