كنت في تدوينة سابقة قد تحدثت عن "الأخدام في اليمن" (1)، وكيف يمكن لهذه الشريحة أن تؤثر في مسار العملية السياسية الانتقالية في اليمن، من خلال دراسة الأنماط السلوكية المتعلقة بالجوانب السيكولوجية المتعلقة بالبناء الاجتماعي.
ويمكن أن تُشكل الأفكار الناجمة عن حالة التجاهل أو التعامل المباشر وغير المباشر مع تلك الشريحة، الذي يحاول تعريف أسلوب تفكير البشر، لكنه قد يتجاهل الأسلوب الذي يعيشون به، ومهمات البقاء التي تواجههم يومياً.
إن المراحل التي تتضمن تلك الأفكار قد يكون للأبعاد التكوينية لمتغيرات الهوية في إطار الاندماج أو الانعزالية، دور توظيفي لمسارات تاريخية معينة، وقد تنطلق من خلال الشروط الموضوعية ذات الصلة بالبيئات التمكينية والحاضنة لمجتمع المعرفة، ودورها في إيضاح البعد الثقافي المعني بالإطار العام المتضمن النتائج المترتبة على إيجاد عوامل صهر الذات ضمن منظومة التنوع الثقافي أو أي "بوتقة أيديولوجية"، بطريقة منظمة لتحدّي التحيز الثقافي للطبقة الاجتماعية السائدة، وترمي إلى الكشف عن موطن الضعف في الخطاب السائد التي راجت فيما مضى، وتدعو إلى التمكين الثقافي للضعفاء وتحريرهم، وعلاقته بآليات إعادة توزيع بعض الموارد على أتباعهم، الأمر الذي أدى إلى أوضاع غير مستقرة، ولديها القابلية لقيام ثورة، ونتيجة لذلك تعرضت زعامات قبلية معينة لسلسلة متتالية من التفكك وإعادة التمركز.
وهكذا، يمكن لشريحة الأخدام كجماعة سائدة من حيث لون البشرة السوداء أو السمراء، أن تفرض ببساطة سماتها المثالية على أنها العرف المحدد للأمور، وقد تأخذ المصلحة الذاتية بعين الاعتبار، ومشحونة بالفخر بأهمية ثقافة بعينها وادعاءاتها بالتفوق، لتعبر عن شكل من أشكال التغير / التحول الاجتماعي ضمن تلك السمات، وغالباً ما كانت لأغراض ذات القيمة الشعائرية المحضة تتوارث في دوائر ثابتة، والتي يمكن أن تعمل على إعادة تدويرها في شكل "مآدب احتفالية"، ولتعبر كذلك عما يتلاءم معها من علاقات تبادلية ضمن إطار الجماعات الاجتماعية، وفي بينهما، بحيث تتناسب مع أهدافها المادية أو السياسية.
وبذلك تكون تلك القيمة / المصالح نفسها مبنية ثقافياً، ويمكن للأطراف المختلفة فرض تأويلاتها لإضفاء الشرعية على سياساتها البراغماتية.
وفي النظم المتوازنة، يتداخل الدين والبنية الاجتماعية والعواطف والأشكال التقليدية للفعل بعضها مع بعض، ويعزز بعضها بعضاً، فهنالك عملية تقويم متبادل Feedback – دوركايمي – فعال، لكن كما أصر بارسونز وشليز يعد هذا التشاكل حالة خاصة، لا سيما في المواقف المتعلقة بالتغير الاجتماعي.
ومن هنا، تأتي مشكلة التكيف مع التحديث التي يواجهها الأخدام في اليمن على المستوى المحلي والوطني، إذا ما تعارضت المطالب الخاصة مع المصلحة القومية، وأصبحت أساس الصراعات السياسية، وتعين على المركز أن يخلق ولاءات جديدة، أي صياغة نداء يتجاوز الروابط المحلية، ويمكن من خلاله طرح الحقائق الاجتماعية بوضوح، وعلاقته بالتغيرات الفكرية في السياق التاريخي لشريحة الأخدام، وفي إطار إعادة صياغة التباين الإنساني بين الثقافة والحضارة.
____________________
(1)
ويكيبيديا: الأخدام أو المهمشين هم مواطنون يمنيون يتميزون عن أغلبية سكان البلاد بملامحهم الأفريقية وبشرتهم السوداء.
ويعتبرون أدنى الطبقات الإجتماعية في البلاد أغلبهم من أصولإثيوبية ودول القرن الأفريقي القريب من غرب اليمن وجنوبه ويتعرضون للتمييز وغياب الحقوق ويعيشون أوضاعا مأوساوية وعزلة عن باقي المجتمع اليمني ويعملون في مهن دونية كتنظيف الشوارع وغسل السيارات.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.