كندا هي واحدة من الدول الأكثر تعلماً في العالم. إذ يملك 51%من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و64 عاماً مؤهلاً جامعياً، وهي النسبة التي عرفت ارتفاعاً مقارنة بعام 2001 إذ كانت النسبة 41% فحسب، وهي النسبة الأعلى بين الدول المتقدمة. ويمكن ترجمة ذلك بحصول ما يقارب أربعة ملايين شخص شهادة تعليم فوق المتوسط، وخمسة ملايين على شهادات جامعية. وقد ارتفع عدد الأشخاص الحاصلين على شهادة الدكتوراه بشكل كبير، إذ تضاعف إلى أكثر من 160 ألف شخص خلال الأعوام العشرة الأخيرة. يحمل المهاجرين إلى كندا نصف عدد هذه الشهادات.
في الوقت ذاته، ارتفعت رسوم الدراسة بنسبة تصل إلى 40%، كما أن مدة إتمام هذه الدراسات المتقدمة تعد طويلة نسبياً، على سبيل المثال، يستغرق الحصول على شهادة الدكتوراه في المتوسط ما بين خمسة إلى ستة أعوام. بالإضافة إلى أنه لا يتم إتمام الأمر إلا بكثير من العمل الجاد والتوتر. سواء كان ذلك بالانغماس بين الكتب أو العمل لوقتٍ متأخر على الحاسوب، الوحدة والعزلة كلها أشياء مشتركة داخل الأوساط الأكاديمية.
وكلما تقدمت في المستوى الدراسي كلما ازداد الأمر سوءاً. إذ يعاني 37% من طلبة الماجستير و47% من طلبة الدكتوراه من الإكتئاب.
إذاً، هل التعليم العالي هو استثمارٌ جيد؟ هل تفوق فعلاً الفوائد المرجوة منه – المال والوقت والمجهود الهائل(الذهني والنفسي) اللازم لإنهاء الدراسة والحصول على الشهادة؟
يقدم تقرير جديد أجرته هيئة الإحصاء الكندية بعض الأجوبة للطلبة وصانعي القرار السياسي.
شملت الدراسة التي نشرت هذا الشهر، أكثر من 30000 كندي تتراوح أعمارهم ما بين 25 و64 عاماً، وهم من الموظفين الحاصلين على الشهادات الجامعية . من بينهم 19% من المهاجرين القادمين من 160 دولة.
ووجد الباحثون أن 64% فقط من العاملين الكنديين المولودون في كندا، والذين تلقوا تعليماً عالياً، يشتغلون في وظائف تتطلب شهادة جامعية. وهي النسبة التي تنخفض بالنسبة للمهاجرين إذ تصل لـ 46% فقط.
علاوة على ذلك، كانت نسبة من يعملون في وظائف تتطلب درجة تعليمية أقل من مستواهم التعليمي لأكثر من الضعف في حالة للمهاجرين (30%) عن الحالة بالنسبة لغير المهاجرين (12%).
كانت الأقليات جزءًا واضحًا من هذه الصورة، إذ أنهم يمثلون أكثر من يعملون في وظائف لا تتناسب مع مستواهم التعليمي.
ومقارنة بمن يعملون في وظائف تناسب درجتهم العلمية، يعد مستوى دخل هؤلاء الذين يعملون في وظائف ذات درجة أدنى أقل من دخل من يعملون في وظائف متناسبة مع مستواهم التعليمي، كما أن درجة شعورهم بالانتماء للجتمع أقل أيضاً.
وقال المشرفون على الدراسة إن "أغلب المؤلفات التي تدرس موضوع التعليم الذي يفوق ما يتطلبه سوق الشغل، تركز على عواقبه الاقتصادية". وبالتالي سعوا عوض ذلك إلى البحث عن أي تأثير لهذه الفجوة بين التعليم والعمل على الصحة النفسية للكنديين، وخاصةَ على مستوى الشعور بالرضى والاكتفاء في الحياة.
وتوصلت الدراسة بعد احتساب الفوارق في السن والعرق والدخل، وعوامل أخرى، إلى أن مواصلة التعلم حتى مستويات جد عالية، يرتبط بشكلٍ سلبي مع الشعور بالرضى والاكتفاء في الحياة. لكن هذه النتائج تخص الكنديين ممن نشئوا في كندا، بينما تعتمد عواقب التعليم الذي يفوق متطلبات سوق الشغل بالنسبة للعاملين المهاجرين -على عاملين اثنين، وهما وضعية اقتصاد البلد الأصلي، وطول مدة الإقامة في كندا. إذ أن المهاجرين الذين يعيشون في كندا لمدة طويلة والقادمين من بلدان نامية أقل عرضة للتأثر بالآثار السلبية للتعليم الزائد على الشعور بالرضا في الحياة.
لم يؤخد بعين الإعتبار دور التوقعات التي يحملها الأفراد لما بعد الدراسة، لكن من شأن ذلك دعم النتائج. إذ تقول نظريات الاكتفاء على سبيل المثال أنه يمكن للمشاكل الاجتماعية والسياسية أن تقلص من حجم التوقعات، وبالتالي يؤدي ذلك إلى رفع مستوى الشعور بالرضا.
يقول كريستيان فرانك، كبير الباحثين في هيئة الإحصاء الكندية وأحد المشرفين على الدراسة إن "هذه الدراسة تقدم لصانعي القرار السياسي مجموعة من المعلومات عن عواقب عدم تناسب التعليم مع الوظيفة على مستوى الصحة النفسية بالنسبة للعاملين الكنديين. وتشير النتائج إلى أن تلقي المهاجرين وغير المهاجرين تعليما زائداً يحمل أثرًا مختلفًا ومن المحتمل أن يكون لكل فئة منهم احتياجات مختلفة فيما يتعلق بالعمل والصحة".
إذاً، ليس من المؤكد الحصول لا على الوظيفة ولا السعادة بعد التخرج، وهو ليس بالأمر المفاجئ، وهو نفس الحال بالنسبة لحقيقة أن العرق، والمستوى الاجتماعي، ووضعية المهاجر، هي ما تحدد احتمالاته الحياتية بعد الجامعة.
السؤال المطروح إذاً هو، كيف يمكننا خلق ظروف ملائمة تجعل الآفاق المهنية والرضا المعيشي على حدٍ سواء ممكنين للجميع، وليس فقط لقليل من المحظوظين؟
هذه التدوينة مترجمة عن النسخة الكندية لـ هاف بوست للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.