تمهَّل

انتبه فأنت تمثل نفسك في كل كلمة تقولها في كل شعور تشعر به، وفي كل خطوة تخطوها. مشكلة كبيرة إذا كنت ذلك الذي يتشرب كل شيء يسمعه أو حتى يعادي كل شيء، وكل أحد يختلف عنه، شتان بين الروح المتطلعة لأن تكون أفضل والروح المتراجعة التي تنقص قيمتها يوماً بعد يوم، شتان..

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/20 الساعة 03:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/20 الساعة 03:11 بتوقيت غرينتش

بلا شك فإننا نعيش في عالم مليء بالمعلومات والخبرات هنا وهناك، والأفكار الصحيحة والخاطئة، المشاعر الصادقة والكاذبة، الألفاظ المقبولة وغير المقبولة، الشخصيات السوية وغير السوية.

تدور حولنا دائرة كبيرة من الذرات المعرفية والروحية والنفسية، عالمنا المعاصر يخاطب الأنا كثيراً يعطيها ويأخذ منها وللأنا التي فينا قوية كانت أو ضعيفة جميلة كانت أو قبيحة القدرة على الاختيار والقرار بين هذا الكم المتسارع مما يأتينا، ولها أيضاً أن تقرر اتباع التيار أو أن تكون هي التيار نفسه.

والنفس الواعية المتيقظة تعرف ما يرفع من مستواها وتعرف ما يقلل من شأنها، أما النفس الخامدة فلا تعرف ماذا يحصل هي فقط تمشي مع التيار.

تمهّل ففي هذا كله أنت، ترى أين أنت من كل هذا؟ انتبه فأنت تمثل نفسك في كل كلمة تقولها في كل شعور تشعر به، وفي كل خطوة تخطوها. مشكلة كبيرة إذا كنت ذلك الذي يتشرب كل شيء يسمعه أو حتى يعادي كل شيء، وكل أحد يختلف عنه، شتان بين الروح المتطلعة لأن تكون أفضل والروح المتراجعة التي تنقص قيمتها يوماً بعد يوم، شتان..

نعم فرغم كل هذا الزخم الذي حولك لك حرية الاختيار فيما تتقبله روحك، ويرتاح له قلبك، ويقتنع به عقلك، فكلماتك التي تستخدمها أنت ما هي إلا حصيلة مفردات ارتضاها عقلك، فأصبحت أنت.

تعبيرك عن الأشخاص أو الأشياء ما هو إلا مرآة لداخلك، ردات فعلك تجاه الأحداث هي أنت، ولا شيء آخر، تعمدك لإهانة غيرك أو إشعارهم بمشاعر سيئة ما هو بالحقيقة إلا أنت.

فالمفردات تخرج منك أنت، فأنت المصدر، وأنت الأساس وليس هم، ذلك السلوك العدائي الذي تتبعه ما هو إلا غلاف لداخلك الهش الضعيف غير الراضي عن ذاته.

فالقوي من داخله يرفع مَن حوله لا ينزلهم أبداً ولا يستمتع بنقصان غيره، بل يفرح بكل شيء ناجح وجميل يرقى به كحلم عرفه وخالطه..

تمهّل أنت مكشوف لمن حولك مهما حاولت إخفاء ذلك، فتصرّف صغير يكشف داخلك ببساطة مهما طال إخفاؤه.

سؤالك المتكرر عن خصوصيات الآخرين ومعلومات حياتهم واختياراتهم لا يكشف إلا فراغ حياتك من المعنى، وهذا الذي يدفعك للبحث عن معانٍ أخرى في حياة الآخرين؛ لأنك لم تملأ حياتك بشيء يرضيك ويرضي نفسك المسكينة تلك، أن تبحث عن المعاني في حياتهم وتترك حياتك فارغة كأفكارك.. تمهَّل فأنت المسؤول عن نفسك.

رغبتك في أن تحصل على ما في أيدي الآخرين ما هي إلا انعكاس لضعف روحك ودونيتها، وفي المقابل، نظرتك اللينة الرحيمة للآخرين، واحتواؤك للآخرين ولزلاتهم البشرية تمثل داخلك الممتلئ أيضاً، تمثل اتزانك الرائع وتفرد روحك الإنسانية بصفات راقية، صفات ريادية، صفات يملكها من يستحق أن يكون شخصاً له بصمته التي لا تنسى أبداً.

رغبتك في إسعاد الآخرين وجعلهم يشعرون بمشاعر إيجابية تجاه أنفسهم تمثل عظمة عقلك وقلبك، أما محاولتك التقليل من شأنهم فهي في الحقيقة شعور بالنقص غلب على روحك، فأصبحت تتلذذ بمضايقة الآخرين.

في الحقيقة إن أكبر تحدٍّ يواجه الإنسان في حياته هو تغلبه على طغيان نفسه وكفرها، كفرها بالصفات الفضيلة وسعيها للسلبية والخراب.. علينا مراقبة أنفسنا حتى لا تطغى عليها المادية أو العداوة أو الحقد أو الهجوم أو الغضب من رؤية الخير عند الآخرين.

تمهَّل فالمفردات، والأفعال، والأسئلة، وردات الفعل، والمشاعر تمثل دائماً المصدر لا المستقبل، تمثل معجم الشخص الذي استخدمها لا الذي سمعها.

مخطئ مَن ظن أن سلوكه شيء عابر، فسلوكك يعكس ثقتك ورضاك عن نفسك، وألفاظك، وأسلوبك مع نفسك ومع الآخرين يمثل صفوة خبراتك في الحياة، وصفوة استقبالك لكل ما مر بحياتك، فإما أن تكون ذا نفس ناجحة بيضاء جميلة أو نفس هشة سطحية لا أثر لها، ولا صوت إلا البغض والحسد والغوغائية، وفي هذا فليتنافسِ المتنافسون.. تُرى في أي جهة ترى نفسك؟

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد