لا صوت يعلو فوق صوت الأمعاء حين تحارب لانتزاع حريتها من قبضة محتل غاصب، وحين تعلن تمردها على ظلم السجان وطغيانه.
لقد أَسرج الأسرى في سجون الاحتلال سِراج الحرب عبر أمعائهم الخاوية، راسمين بذلك الخواء طريق حريتهم المشروع عبر إضراب الكرامة.
هي حربٌ الرائدُ فيها أسيرٌ أطلق العنان لمعدته تدوي عالياً طاغيةً على كل الأصوات الانهزامية المتراخية.
راهن الأسرى على حياتهم من أجل حريتهم، معلنين أن السجان ليس إلهاً يفرض حكماً يبقون على أثره رهن الزنازين، تلك الأرواح التي صدر بحقها أجحف الأحكام لهي أحق بالحياة من غيرها.
الإضراب الجماعي الذي يخوضه قرابة 1600 أسير فلسطيني -والعدد في ازدياد- جاء بعد الانتهاكات المستمرة التي تنتهجها مصلحة السجون بحق الأسرى من اعتقال إداري وإهمال طبي متعمد ومنع الزيارات العائلية، بالإضافة إلى العزل الانفرادي، والكثير من الانتهاكات الأخرى.
ويسعى الأسرى من خلال هذا الإضراب المطلبي إلى كسر قيود فُرضت عليهم ظلماً وجوراً، فاتخذوا من الماء والملح شراباً يعينهم على الاستمرار في إضرابهم ويُقوّي أمعاءهم للصمود أكثر لتحقيق مرادهم، الأمر هنا يشبه مَن يشحذ سيفه لخوض معركة طويلة لا يرى من خلالها إلا النصر.
الحرية لا توهب وإنما تُنتزع انتزاعاً، فالسكوت دون حراك يعني مزيداً من الألم والمعاناة والحرمان فكانت الأمعاء هي السبيل إلى ذلك بالرغم من ارتفاع نسبة الخطر بشكل كبير مع استعمال هذا السلاح السلمي والفتّاك في ذات الوقت.
السلمي في سلميته وعدم استخدام العنف فيه من ضرب واعتداء وما شابه، أمّا الفتاك فيكون على ناحيتين؛ الأولى تثير الرأي العام، والمجتمع الدولي ويصنع ضجة كبيرة من شأنها الضغط على الاحتلال، ومن بعد ذلك الاستجابة لمطالب الأسرى وانتصار صوت المعدة الخاوية.
أما الناحية الثانية فتكون بالفتك على حساب صحة الأسير بحد ذاته، هنا يراهن الأسير على حياته مقابل تحقيق خطوات إيجابية من شأنها إحداث نصر وحرية لهم.
لقد أشهر الأسرى سلاح معدتهم من قبل بشكل فردي على خلاف هذه المرة، وقد حقق هذا السلاح نتائج مبهرة، وكلنا أمل أن يحقق هذا الإضراب الجماعي نتائج كبيرة أشد إبهاراً من المرات السابقة.
لم تكن أمعاء الأسرى هي الوحيدة التي شاركت في الإضراب، إنما كان لذويهم الذين يشاركونهم الألم والوجع ويتشوقون لرؤيتهم كان لأمعائهم دويٌّ يناصر أبناءهم ويعينهم، بالإضافة إلى الكثير من المناصرين لقضية الأسرى.
فكان الماء والملح حاضرين في كافة خيام الاعتصام والتضامن على المستوى الفلسطيني والدولي كذلك بالإضافة إلى الكرامة المنبثقة من أحقية الأسرى في نيل حريتهم.
استمرارية الإضراب وتزايد حجم المتضامنين يُشكلان ضغطاً على الاحتلال، ويعطيان إشارة إلى مفعوليته وقوته، وهذا يثُبتُ أن قرقعة المعدة أقوى من سوط السجان.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.