السوشيال ميديا.. وحتمية التغيير

اللافت للنظر أن هناك تزايداً ملحوظاً للدراسات والأبحاث والكتابات الفلسفية التي تسعى لسبر غور هذه التطورات، ومحاولة استشراف تأثيراتها المستقبلية على الإنسان، خاصة أن جيل الشباب، والأجيال القادمة

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/19 الساعة 05:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/19 الساعة 05:56 بتوقيت غرينتش

صحيح أن الغالبية الساحقة من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي (أو ما يسمى السوشيال ميديا) في العالم العربي، وربما في كثير من دول العالم، تستخدمها في مجال التسلية والترفيه وعرض قضايا قد لا تشكل أولويات بالنسبة للمواطن المحاصر بالهموم من جميع الاتجاهات.

ولكن الصحيح أيضاً أن السوشيال ميديا باتت مصدراً أساسياً للمعلومات بالنسبة للإنسان، مخلّفة وراءها تاريخاً طويلاً وشاقاً لوسائل الإعلام التقليدية التي تسعى بشكل يائس للحاق بالتطورات المذهلة في مجال تكنولوجيا الاتصال.

وصحيح أيضاً أن السوشيال ميديا عملت بشكل غير مسبوق على نشر الوعي، ووضع نهاية للتحكم بالمعلومات، وقمع حرية الفكر وحرية التعبير.

وصحيح أيضاً أن المستخدم للسوشيال ميديا هو إنسان فاعل ومؤثر، ولم يَعُد وفق المفهوم الكلاسيكي للمتلقي (أو المستقبل) للرسالة الإعلامية، كما هو الحال في الإعلام التقليدي.

كل هذا صحيح، ولكن المهم في الموضوع هو السؤال التالي: وماذا بعد؟
ما الذي يمكن أن يترتب على هذه التطورات الهائلة في عالم الاتصال؟ وكيف يمكن أن تنعكس على الفرد والمجتمع؟

اللافت للنظر أن هناك تزايداً ملحوظاً للدراسات والأبحاث والكتابات الفلسفية التي تسعى لسبر غور هذه التطورات، ومحاولة استشراف تأثيراتها المستقبلية على الإنسان، خاصة أن جيل الشباب، والأجيال القادمة، يعيشون واقعاً مختلفاً تماماً عن واقع الراديو والتلفزيون والصحف، وهي أجيال لا تنقصها المعلومات، ولا يحد من قدرتها على التعبير قلة الوسائل، أو حتى الرقابة الصارمة، رغم وجود الرقابة والملاحقة على ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي.

لسنا مبالغين إذا قلنا إن العقدين الماضيين شهدا ثورتين، كل ثورة منهما توازي الثورات التي استغرقت كل واحدة منها قروناً طويلة.

الثورة الأولى هي ثورة الإنترنت وانتشار استخدامها على نطاق واسع، والثورة الثانية هي ثورة السوشيال ميديا، التي نقلت الإنترنت إلى مجال أكثر فاعلية واستقطاباً للجمهور.

هذه التطورات، تعود لتفرض السؤال مرة أخرى: ماذا بعد؟
نظرية الحتمية التكنولوجية التي جاء بها مارشال ماكلوهان قبل أكثر من خمسين عاماً كانت مواءمة تماما لتلك المرحلة، ولكنها وضعت معالم مهمة لمسار التأثير الاتصالي على المجتمعات، بل وعلى البشرية، فانعكاسات التطورات المتسارعة في عالم الاتصال لا يمكن إغفالها في خضم تغلغل تلك الوسائل في حياة الناس، بل وفي تركيبتهم الاجتماعية والثقافية وواقعهم السياسي، وما شهدناه في الموجة الأولى من "الربيع العربي" يؤكد ذلك بوضوح تام، حسب العديد من الدراسات والأبحاث.

إن المرحلة القادمة، وحسب القراءة التاريخية لتطور وسائل الاتصال لمعظم العلماء والباحثين، تؤكد أن التحولات الاجتماعية والثقافية والسياسية قادمة لا محالة، ولا مفر منها.

نحتاج في هذه المرحلة، وبشكل ملحّ، إلى قراءة هادئة لتأثيرات السوشيال ميديا على شبابنا وأطفالنا، وعلى تداعيات تلك التأثيرات على مستقبلهم. نحتاج إلى تعزيز الجوانب الإيجابية، ومعالجة الجوانب السلبية، واستثمار إمكانية هذه التقنيات والأدوات لدفع عجلة التطور إلى الأمام.

نحتاج إلى تكريس الوعي لدى المواطن حول تلك الأدوات التي تتوافر بين يديه، على اعتبار أن المواطن لم يعُد مستقبلاً سلبياً للرسالة، بل مؤثراً فيها، وعنصراً فاعلاً في تداولها ونقلها إلى الآخرين. والخوف إذا لم يتحقق ذلك، هو حدوث الصدمات التي قد تتعرض لها المجتمعات، إذا سلّمنا بأن التحولات هي حتمية، وربما صادمة وعنيفة من جهة أخرى.

وإلى أن نصل بمستخدمي السوشيال ميديا من مفهوم الأداة الترفيهية إلى مستوى القوة المؤثرة في التغيير، فإن أمامنا مشواراً طويلاً، نرجو ألا نصل لنهايته، وقد ظهرت وسائل جديدة تجعل من جهودنا هباءً منثوراً.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد