كريم عمره 9 سنوات، يعاني من مغص متكرر ونوبات متبادلة من الإمساك والإسهال، اصطحبته والدته للطبيب، وبعد إجراء الفحص السريري والمخبري اكتشف الطبيب أن حساسية الطعام هي السبب في ظهور تلك الأعراض.
فما هي حساسية الطعام؟ وما هي أعراضها؟
وهل تسبب أغذية معينة الحساسية أكثر من غيرها؟
هل توجد وسائل دقيقة للتشخيص؟
كيف نعالجها؟ وكيف نتعامل مع الاحتياجات الغذائية للطفل المصاب بها؟
*******
حساسية الطعام شائعة إلى حد ما.. وتختلف نسبة الإصابة بها من منطقة لأخرى، لكن النسب تتراوح ما بين 5 و10% من الأطفال.
تحدث الحساسية نتيجة نشاط غير طبيعي للجهاز المناعي فيحارب مكونات معينة للطعام بنفس الطريقة التي يحارب بها الجراثيم الضارة.
يعتبر الجهاز المناعي في هذه الحالة تلك المكونات المسببة للحساسية خطراً على الجسم، فيطلق أدواته لحماية الإنسان منها بمجرد تناول الطفل لها، وفي بعض الأحيان بمجرد لمس الطعام أو حتى استنشاق رائحته، وتظهر الأعراض على الطفل كنتيجة للصدام بين المكون المسبب للحساسية من جهة والجهاز المناعي من جهة أخرى.
*******
أعراض حساسية الطعام
يوجد نوعان من الحساسية هما:
نوع سريع تظهر أعراضه في الحال خلال دقائق أو بضع ساعات، ونسميه علمياً التآق.. هذا النوع يظهر في نوبات حادة عند التعرض للطعام المسبب، قد يكون بسيطاً، أو مجرد طفح جلدي طفيف أو مغص عابر، وقد يكون شديد الخطورة لدرجة تؤدي للوفاة؛ لأن أعراضه لا تقتصر على الجهاز الهضمي، ولكن تمتد أيضاً للجهاز التنفسي والدوري وسائر أعضاء الجسم، فيعاني المصاب من ضيق في التنفس وانتفاخ في الفم والحلق واللسان والبلعوم والحنجرة وأعضاء أخرى.. وهبوط في ضغط الدم، بالإضافة للطفح الجلدي.
ويوجد نوع آخر من الحساسية، النوع البطيء، الذي لا تظهر أعراضه إلا بعد يومين أو ثلاثة؛ لهذا يسمى الحساسية المتأخرة.
وهذا النوع لا خطورة فيه.. وإن أدى لأعراض مرضية.. تقتصر عادة على الجهاز الهضمي: مغص – إسهال – إمساك – قيء – غثيان.. وأحياناً يكون أيضاً مصحوباً بطفح جلدي، ولكن شكله يختلف عن الطفح المصاحب للتآق.
*******
هل تسبب أغذية معينة الحساسية أكثر من غيرها؟
قائمة الأغذية التي قد تسبب حساسية ممتدة ولا نهاية لها.. لكن سبعة أغذية هي الأكثر شيوعاً:
منتجات الألبان والبيض والقمح والصويا والمكسرات والسمك والفول السوداني.
90% من حالات الحساسية تعود لأحد الأغذية على هذه القائمة.
*******
هل توجد وسائل دقيقة للتشخيص؟
تلك هي المشكلة؛ لأن مكونات ما نتناوله، خصوصاً من الأطعمة الجاهزة والوجبات السريعة والمبيعة في السوبرماركت عديدة ومركبة وتتدخل فيها عملية التصنيع، وبالتالي يصعب جداً اختبار كل مكون على حدة.
كذلك في النوع المتأخر من الحساسية لا يوجد اختبار دقيق للخلل المناعي، ولكن في النوع السريع (وهو ما سمّيناه بالتآق) يوجد اختبار للأجسام المضادة المسببة للحساسية، وبالتالي يمكن قياسها، وقياس تفاعلها مع الأغذية أو أية مكونات للطعام محل شك.
ولكن يظل أفضل اختبار للحساسية تجاه مكون غذائي معين، هو قوة ملاحظة الأهل ومتابعتهم للطفل، لاكتشاف ما إذا كان حدوث الأعراض مرتبطاً بتناول أكلات محددة.
مع ذلك.. يجب ألا نتسرع في الاستنتاج لأن حدوث أعراض مرتبطة بالأكل قد يكون نتيجة أمراض أخرى بخلاف الحساسية، مثل الداء الزلاقي والارتجاع وما يسمى بعدم تحمل الطعام ونقص الإنزيمات وغيرها.. والطبيب المختص يستطيع الوصول للتشخيص الصحيح بين تلك الأمراض سواء بالفحص السريري أو الاختبارات.
*******
كيف نعالج حساسية الطعام؟
لا يوجد علاج شافٍ بشكل نهائي من حساسية الطعام، ولكن معظم الأطفال يتحسنون منها إلى حد كبير في سن المراهقة، وتستمر بعد هذه السن الأعراض بشكل أقل مع المرضى الذين يعانون من حساسية شديدة.
الوقاية هي الحل الأمثل للطفل المصاب بالحساسية، بتجنب المكون الغذائي المسبب لها إذا أمكن التعرف عليه.
وفي الدول المتقدمة تشترط الأجهزة الرقابية على منتجي الأغذية أن يصفوا بدقة كل مكونات السلعة، مع إشارة خاصة ما إذا كانت تحتوي أي من الأغذية السبعة الشهيرة التي تسبب الحساسية.
تساعد أدوية الحساسية في التخلص من الأعراض المزمنة بشرط أن يداوم المريض على تناولها، أما الحالات السريعة الحادة فتحتاج للعلاج في المستشفى، ويُنصح آباء وأمهات الأطفال الذين يعانون من هذا النوع بحمل قلم حقنة (الأيبيبن) بشكل دائم، وهو قلم شبيه بأقلام حقن الإنسولين معد خصيصاً للاستعمال السهل بواسطة الناس العاديين كإسعاف أولي للإنقاذ العاجل حتى الوصول لأقرب قسم طوارئ.
*******
كيف نتعامل مع الاحتياجات الغذائية للطفل المصاب بها؟
يُضطر الطفل الذي يعاني من الحساسية لتجنب بعض الأغذية المتسببة في تهييج جهازه المناعي. والمشكلة أن بعض هذه الأغذية يعتبر مكوناً أساسياً في تغذية الطفل، خصوصاً أننا نتعامل مع مريض في حالة نمو، مثل القمح، والأهم منتجات الألبان. تخيل هناك طفل رضيع مثلاً لا يستطيع تناول الحليب ومشتقاته.
العلم بفضل الله وجد حلولاً لمثل هذه الإشكالية، بتوفير بدائل لها نفس القيمة الغذائية المتوفرة في الأطعمة الأصلية، وإن كانت أغلى سعراً في معظم الأحوال، وهنا يأتي دور الحكومات وشركات التأمين الصحي لدعم تكاليف تلك البدائل التي يصفها الأطباء بالتعاون مع أخصائيي التغذية.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.