ناهد عصيدة.. زوجة الإنسان المقاوم الأسير المبعد الشهيد

وبعد أن غادرت ناهد عصيدة المنصة تمسح دموعها، وتمسك بيد زوجها، مع مزيد من الحب أو الألم، وكثير من الشوق والأمل، على الأقل إلى ناهد عصيدة، هل كانت تعلم ناهد أنها المخاطر التي قبلتها، وكانت تتحدث عنها قبل بضعة أسابيع، لن تتركها تمسح دموع فرحه

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/14 الساعة 02:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/14 الساعة 02:13 بتوقيت غرينتش

لم يكن حفل التخرج بالجامعة الإسلامية بمدينة غزة حدثاً مميزاً أو استثنائياً، حتى عندما صعدت بنت نابلس ناهد عصيدة إلى منصة التكريم، فهي الطالبة التي اختارت أن تكون مع زوجها المبعد إلى غزة، وكانت كلماتها التي تشرح بها معاناة الإبعاد والغربة عن الأهل والأقارب وتكوين الأسرة في المنفى، وإنجابها لأطفالها بعيداً عن أقاربهم الذين حرموا التعرف عليهم فلا جَدّ يلاعبهم، ولا خال يحملهم، ولا عَمّ يداعبهم، وصدر يحمل بين ضلوع شوقاً للأم والأخت والوطن، فكانت قد بحّ صوتها تحكي مقدار ألمها، ودمعت عينها التي لم تتمكن من إخفائها شوقاً لأمها ورغبتها بأن تسمع زغرودتها في يوم تخرجها، وعندما استجبن الأمهات لرغبتها وزغردن لأجلها، لم تكن لترسم ابتسامة الفرح على شفتيها، وإطفاء شوقها، ولم تتردد في طلب إعادتها، ولم تتردد الأمهات في تلبية طلبها، واستجبن لها وأعدن زغرودة من أجلها، لا أنكر مدى تأثري بكلماتها، وتعاطفي مع طالبة الزوجة الأم المبعدة، فقد لخصت بكلماتها حياة العشرات من الفتيات، اللواتي اخترن الإبعاد مع أزواجهن إلى غزة أو الخارج الفلسطيني، ولم تكن كلماتها عن زوجها، ومن يكون ومدى المخاطرة التي قامت بها، والتضحية التي قدمتها لشخص قدم حياته من أجل وطن، فهو المقاوم الأسير المبعد والمهدد بالاغتيال، حاله حال العديد من الأسرى المبعدين بعد صفقة وفاء الأحرار المعروفة باسم صفقة شاليط.

وبعد أن غادرت ناهد عصيدة المنصة تمسح دموعها، وتمسك بيد زوجها، مع مزيد من الحب أو الألم، وكثير من الشوق والأمل، على الأقل إلى ناهد عصيدة، هل كانت تعلم ناهد أنها المخاطر التي قبلتها، وكانت تتحدث عنها قبل بضعة أسابيع، لن تتركها تمسح دموع فرحها، حتى يحل مكانها دموع الفراق، وفاجعة الزوج الذي لم يكمل العام السادس معها، فمازن كان لها الإنسان والزوج والقدوة، وخيارها الذي طالما تمنته، وأرادت أن يكون أباً لأطفالها، ولمَ لا فهو الشجاع المقدام الذي نذر نفسه لله؟ لم يخُن وطنه ولم يتنازل عن مبادئه، وكيف لشخص يحمل مثل هذه الصفات أن يرفض؟ وكيف لا تنجب منه، فالأسد لا ينجب إلا أسوداً، كما نحن بحاجة إلى أمثال مازن، وإذا كانت فاجعتنا باستشهاد مازن كبيرة لمعرفتنا بخصاله وهو يقاوم، وصموده في الأسر، وصبره على الغربة، ولكن كم منا يعلم من هو مازن الإنسان، مازن الذي أحب الحياة، ذلك الشخص الذي يشبه الحمام الزاجل في وداعته، هادئ ذو صوت خجول، المحب لزوجته وأطفاله، فصدق قوله تعالى: "محَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ" (الفتح: 29).

لله درك يا أم أحمد، نذرت نفسك لله، واخترت زوجاً يسعى إلى الله، وبعت الدنيا، واشتريت الآخرة، بحثت عن رضا الله، كم كنت صابرة محتسبة، مضحية، كم كنت عوناً وسنداً لزوجك! لك الله يا أم أحمد، فقد رحل الزوج والسند، ولم تجدي من يواسيك بحزنك، أو يمسح دموعك، فلا الأم والأخت أو الأب بقربك، اليوم تترجل أم أحمد على المنصة ولن يكن مازن ممسكاً بيدها، اليوم لا نعلم إذا ما كان التفاف أمهات غزة معها، وحزنهن لحزنها يطفئ نار شوقها ويواسي وحدتها.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد