لا أستطيع أن أتذكر متى بدأت بملاحظة توقف سيارة أو اثنتين بنفس المكان تقريباً على جانب الطريق الذي أسلكه بشكل يومي لعملي؛ وهو بالمناسبة الطريق السريع الذي يفصل بين العمانتين، كنت أظنها تتوقف لانتظار أحدهم، أو لعلها كانت سيارات الرادار التي اعتدتُ رؤيتها بالسابق بالطرق السريعة، إلى أن اكتشفت بالطريقة الصعبة السبب الحقيقي وراء توقفها؛ فذات صباح كنت متوجهة لعملي كعادتي، وللمصداقية فأنا دائماً ما أطلق العنان لسيارتي بهذه الطريق، وأتجاوز السرعة المسموح بها كغيري من السائقين ويمر الموضوع بسلاسة؛ وأنا لا أتفاخر بهذا الشيء، لكن من غير المنطقي أن تكون السرعة المسموحة بالطريق السريع هي 70/كم بالساعة.
المهم بهذا اليوم تحديداً لم أتمكن من تفادي الحفرة التي أتفاداها يومياً بسبب سيارة كانت بجانبي، ولسوء حظي كان بها قطعة معدنية حادة، اخترقت الدولاب الأمامي لسيارتي وأدت لانفجاره وعدم قدرتي على السيطرة على المركبة للحظات، ولرحمة الله بي تمكنت من تفادي حادث كاد يصيبني بإصابات جسيمة بفضل يقظة السائقين المحيطين بي، فانتهى بي الأمر كسائر السائقين الذين كنت أمر من أمامهم يومياً على قارعة الطريق أنتظر من يأتي ليبدل العَجَل ومن ثم تغيير "صنوبرصات" مركبتي.
ذِكري لهذه الحادثة هو بسبب ما نشهده حالياً من تركيب مستفز لكاميرات الرادار بالطرق، بحجة حمايتنا من حوادث الطرق وليس بسبب الجباية، فهم يدعون كما أخبرني أحدهم، أن كلمة جباية تعني أن لا خيار لديَّ سوى الدفع، لكن فيما يخص الرادارات فأنا لديَّ الخيار بألا أسرع وأتفادى دفع المخالفة، كيف لا تكون للجباية يا هذا، ومؤخراً يلحق بوصف العناوين لي بـ "فيه شجرة كبيرة عليمين وراها كاميرا على مهل قبل ما تتعديها حتى ما تاكليلك مخالفة"؛ أليس الهدف من المخالفات حماية المواطن وردعه لضمان عدم تكرارها؟ فلماذا إذاً تقومون بمخالفتنا دون علمنا؟ إن أغلب الكاميرات زُرعت بمناطق مخفية أو بمناطق تقلل السرعة فيها مثلاً من 90 لـ70 دون سابق إنذار لتتصيد المواطن!
أتراني أهلوس كعادتي أم أنهم قد خفضوا السرعة الحقيقية للشارع أينما تم وضع الكاميرات؟ فوفقاً لذاكرتي شارع طبربور مثلاً كانت السرعة 80 وخفضت لـ60، شارع الأردن خفضت من 90 لـ80، من غير المنطقي تحديد السرعة بـ50 ببعض الشوارع الرئيسية، ومن غير المنطقي أن تحدد السرعة بـ80 ثم يتفاجأ السائق أنها عادت لتحدد عند انحدار لـ50 مع وجود كاميرا لتلتقط صورة له في وضعية المتفاجئ؛ الشيء بالشيء يذكَر فقد فاجأتني حكومتنا الموقرة أيضاً حين رفعت من روحي المعنوية وأشعرتني بأني رياضية من الدرجة الأولى بتحديدها لسرعة المخالفة بسرعة سيري على الأقدام وأنا هاهنا أقر بأن شغلها الشاغل هو سعادة المواطنين.
يمتدحون نظام السير بأوروبا ويدّعون أنه بفضل الكاميرات؛ أقول لهم: بل الفضل لشوارعهم وللبنية التحتية المتوافر لديهم، فلنكن واقعيين إن 90% من حوادث السير بأردني الغالي سببها الشوارع؛ وصانعة الحوادث المرورية بالمناسبة هي الحكومة، لمَ لا تقوم الحكومة بتأهيل الشوارع؟ فسوء الطرق وعدم صلاحيتها والتقاطعات غير المكشوفة نتيجة لسوء التخطيط هي السبب الرئيسي لكثرة الحوادث، لو أن أرواحنا تهمهم بالفعل لبادروا لإصلاح الطرق والبنية التحتية للشوارع قبل مراقبتها، لأعادوا صيانة الطرق الخارجية دون غش؛ وأضرب هنا مثالاً بطريق بغداد الدولي، الذي لا يصلح للاستخدام الآدمي أو علّني أحتاج لشهادة الطريق الصحراوي ليدعم كلامي، فهو خير شاهد على الحوادث المميتة التي حصلت فوقه.
من المخزي أن أشعر وأنا أقود مركبتي بأن عليَّ تفادى أكبر عدد من المطبات والمعيقات لأحطم الرقم القياسي الذي حققه طفلي الصغير بلعبة من ألعاب البلايستيشن.. أوَليس الأجدر بهم أن يولوا نصف ما يولونه من اهتمام بالرادارات بتراخيص المدارس ورياض الأطفال، التي تتجاوز حمولة باصاتها الحد المسموح به، ويسمح لأشخاص مستهترين بقيادتها؟ كم منا لم يصادف أحد هذه الباصات يقاد بطريقة جنونية أو يسير بالمسرب الخاطئ؟! ماذا عن إدخال سيارات حديثة وتقليل الجمارك؟ أين هم من إنشاء شوارع متخصصة للمركبات الثقيلة أو للشاحنات؟
أنا لا أعلم القيمة الحقيقية لثمنها ومن استوردها وكم استفاد من إدخالها للبلاد ولا أعتقد أن أحدنا يستطيع الجزم أين تذهب أموال مخالفاتها؟ وكم هي؟ وأين تنفق بشكل دقيق؟ ولكني أعلم يقيناً أن كثرة الضغط تولّد الانفجار، فليشكروا الله أن الشعب يفرغ جام غضبه وغله بالكاميرات، لمن يقول إن هذا العمل هو اعتداء على الممتلكات العامة فليتقوا الله، إن من يدفع المواطنين دفعاً لهذه الممارسات الغريبة عنا هي الحكومة بسبب تجاهلها المستمر للمواطنين، ولو أنني افترضت حسن نية الحكومة فيما يخص أن السرعة مشكلة موجودة لدينا فطريقة المعالجة مشكوك بنواياها، ولو أنها صادقة بزراعتها لتخفيف الحوادث وليس بغرض الجباية، فنحن أمام أزمة ثقة بين المواطنين والحكومة.
أكاد أجزم لو كان لدى المواطنين أدنى شعور أن غايتها المحافظة على أرواحنا لكنا كلنا مع زراعتها، فهي كانت موجودة لمراقبة السير والطرق لخدمة الوطن والمواطن، ولا أذكر أن أحدنا اعترض عليها من قبل لما فيها من مصلحة للوطن والمواطن.
أما كاميرات استنزاف جيب المواطن فهي مشكلتنا، وبناء عليه يتوجب على الحكومة كسب ثقة الشارع من خلال تغيير سياساتها بالمخالفات، كاستخدام نظام النقاط وسحب الرخص والحبس، عن طريق جلب المخالفات الخطيرة التي تلتقطها الكاميرات وتدقيقها وتحويلها للقضاء، والعمل على وضع نقاط تحذيرية لمكرر المخالفة والحرمان من القيادة لسنة على كل مخالفة خطيرة، بهذا يكون وجودها لهدف السلامة وليس لجمع الأموال، أو على سبيل التحفيز، لمَ لا يتم إعفاء من ليس لديه مخالفات من ترخيص سيارته؟ أتعتقد حكومتنا الرشيدة أن مثل هذه المخالفات غير رادعة، أم أنها ترانا قد كبرنا على وضع خطط لتعديل سلوكنا وتعزيز سلوكياتنا الحسنة؟!
بالمختصر الحكومة الموقرة تنظر للكاميرات على أنها استثمار طويل الأمد منخفض التكلفة، وإلا لكانت رفعت قيم المخالفات لتصبح ذات تأثير رادع؛ والحق يقال فهي تستخدم سياسة التاجر الناجح، فقد حددت خطتها ببيع كثير وربح قليل لمساعدتها بدوران رأس المال بشكل أسرع، وبالتالي زيادة الأرباح على المدى البعيد، أيعقل أن أكون على خطأ وتكون هذه الكاميرات مشروعاً استثمارياً خصص ريعه للأعمال الخيرية وتحسين أوضاع الفقراء؟! أستحلفكم بالله أن تنصحوني، فأنا أفكر جدياً في الاستثمار بعشر كاميرات وتشغيلها لحسابي الخاص علني أؤمّن مستقبل أطفالي، أتراه مشروعاً مُجدياً؟
كم أتمنى أن يتم تركيب الكاميرات على ضمائر المسؤولين بدلاً من تركيبها لسلب ونهب جيوبنا رغم أنوفنا.
يفترض أن نكون أصحاب القرار، لكني أرانا بعيون حكومتنا الرشيدة برميل النفط الذي تلجأ له كلما واجهت عجزاً بخزينتها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.