المرأة الأكثر جدلاً في التاريخ العثماني

لقد وجه الأوروبيون سهامهم عن قوس واحد نحو هذه السلطانة، فصورتها كتاباتهم ورواياتهم بأنها المرأة الأخطر في التاريخ العثماني، وأنها تسببت في تقويض الخلافة العثمانية وانهيارها

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/10 الساعة 06:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/10 الساعة 06:14 بتوقيت غرينتش

.. عادةً لا يؤخذ التاريخ من الأعمال الدرامية أو ما يسمى بالأفلام السينمائية والوثائقية والمسلسلات التلفزيونية، فهي مهما بلغت عظمتها وبراعتها تظل أعمالاً فنية درامية تخضع لهوى كاتبها الذي ربما يستند لمعلومة واحدة، ثم ينسج حولها مئات القصص والروايات الخيالية لجذب المشاهد وتحقيق الحبكة الدرامية.

إنما يُستقى التاريخ من صدور الرواة الثقاة، وبطون أمهات الكتب، وشهادات المعاصرين، ولذلك ونحن نتناول هذه الشخصية التي أظنها من أكثر الشخصيات التي اختلفت حولها أقلام المؤرخين، ففريق يراها داهية مجرمة تسببت في تقويض الخلافة وإضعافها، وفريق آخر يراها امرأة صالحة لها فضل كبير وأعمال جليلة، سنجتهد أن نعرض آراء الفريقين، ونوازن بينهما؛ لنتعرف على حقيقة تلك المرأة المعروفة تاريخياً بخُرَّم سلطان.

فمن هي خُرَّم سلطان؟! وكيف صورتها كتابات الغرب الأوروبيين؟! وما حقيقة الاتهامات التي وجهت لها بأنها خدعت السلطان وتسببت في قتله لأبنائه وكانت لها دور في إضعاف دولة الخلافة؟! وماذا قدمت من أعمال خيرية؟!

عن خرُّم سلطان :

السلطانة "هويام" كما تذكرها المصادر العربية أو روكسانة وروكسلانا كما تذكرها المصادر الغربية، أو خُرَّم سلطان وهو الاسم الأكثر شهرة في المصادر العثمانية، اختلف المؤرخون حول نشأتها وموطنها الأصلي، إلا أن الرأي الراجح أنها ولدت في مدينة روهاتين بأوكرانيا سنة 1506، وأسرت على يد تتار القرم؛ حيث أسروها وأهدوها للسلطان سليمان العاشر فاتخذها جارية، ثم أعجب بها فأعتقها وتزوجها وأنجب منها سليم الثاني.

خُرَّم سلطان في كتابات الأوربيين:

لقد وجه الأوروبيون سهامهم عن قوس واحد نحو هذه السلطانة، فصورتها كتاباتهم ورواياتهم بأنها المرأة الأخطر في التاريخ العثماني، وأنها تسببت في تقويض الخلافة العثمانية وانهيارها، بعد أن وصلت لأوج قوتها واتساعها، ويرون أنها لعبت دوراً كبيراً في التآمر على الدولة، وقتل الصدر الأعظم إبراهيم باشا، وتعيين صهرها رستم باشا، ثم خططت معه بعد ذلك للتخلص من ولي العهد الشرعي الأمير مصطفى، الابن الأكبر للسلطان القانوني، وتعيين ابنها سليم، ولم تتوقف الروايات عند هذا الحد، بل لقبها بعض المؤرخين الأوروبيين بالأفعى اليهودية، ونسبوا إليها كتلة من الجرائم والأعمال الخطيرة، وقد انساق في هذا الاتجاه الكثيرون من مؤرخي العرب والمسلمين، فاستمدوا جُل كتاباتهم عن خُرَّم سلطان من المصادر الأوروبية التي تمادت بشكل كبير جداً في تشويه هذه السلطانة.

هكذا كانت كتابات الأوروبيين ورواياتهم عن خُرَّم سلطان.

… والحقيقة فإن ما ورد في كتابات المؤرخين الأوروبيين ومن نقل عنهم، وتم تجسيده في مسلسل حريم السلطان فيه إجحاف كبير، فنحن وإن كنا لا ننفي نفياً قاطعاً أن خُرَّم سلطان قد وقعت في بعض الأخطاء، وكان لها دور كبير في بعض قرارات القانوني غير الصائبة، إلا أننا في نفس الوقت لا يمكن أن نقر بأنها قامت بكل هذه الجرائم لعدة أسباب:
أولاً: إن معظم ما كُتب عن هذه السلطانة أُخذ ونقل عن مصادر أوروبية، ومعروف أن الكثير من الكتاب الأوروبيين الذين تناولوا تاريخ العثمانيين كانوا وما زالوا يحملون حقداً وبغضاً وكراهية للعثمانيين، ما جعلهم يسارعون في تشويه رموز الدولة وتصويرهم في أبشع صورة، وتضخيم أخطائهم، وتسليط الضوء على القانوني بالذات؛ لأنه أقوى سلاطين الدولة العثمانية وأكثرهم تأثيراً في تاريخ أوروبا.

ثانياً: كيف لشخص في قوة القانوني وعدله الذي شهد به أعداؤه قبل أصدقائه أن يقع في شرك هذه الفتنة، وأن تسيطر عليه امرأة مهما كانت شخصيتها وقربها منه وحبه لها.

ولذا رفض بعض المؤرخين والمختصين بالشأن التركي هذه الاتهامات وردوا عليها.

ومن هؤلاء الدكتور محمود الدغيم، المؤرخ والباحث في المخطوطات والوثائق العثمانية والمدير السابق لمكتبة السليمانية؛ حيث يقول الدغيم:
إن كل ما ورد عن زوجة القانوني خُرَّم سلطان في الكتابات الأوروبية والعربية أو الأعمال الدرامية، كما في مسلسل القرن العظيم "حريم السلطان" هي أكاذيب وافتراءات وجهتها أقلام مسمومة، وانساق خلفها الكثيرون، وأنه لم يرد في وثائق العثمانيين ومخطوطاتهم أو ما نُقل عن مؤرخي تلك الفترة ما يثبت بشكل قاطع هذه الأفعال التي ألصقت بالسلطانة، وأن هذا التشويه المتعمد المقصود منه ليس خُرَّم سلطان في حد ذاتها، إنما المقصود هو القانوني رحمه الله، وابنه سليم الثاني اللذان أذلا وأخضعا ملوك أوروبا لعقود من الزمن.

أعمال خُرَّم الخيرية

أما عن أعمالها الخيرية فإن كان المؤرخون قد اختلفوا حول حقيقة السلطانة، والدور الذي لعبته في سياسة الدولة، فإنهم قد أجمعوا على أنها كانت لها أعمال خيرية عظيمة أهمها:
إكمال عيون زبيدة ، فأثناء ذهابها إلى الحج استشعرت حاجة أهل مكة للماء، فأمرت بإكمال عيون زبيدة التي بدأتها السيدة زبيدة، زوجة هارون الرشيد لتوصيل الماء للحجاج على نفقتها الشخصية.

كما أنها أقامت الكثير من الأوقاف في بيت المقدس، التي لا تزال آثارها موجودة حتى الآن، ولها أوقاف أيضاً في مكة والمدينة، كما قامت بإنشاء المدارس والمساجد والمستشفيات في إسطنبول وما حولها.

هكذا كانت خُرَّم سلطان، وهكذا اختلفت حولها كتابات المؤرخين.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد