جميعنا مررنا بهذه المرحلة، تقف أمام المرآة تجد الصورة غير واضحة، أو يعتريها بعض الضياع، صورة تميل للشحوب، هذا الشخص ليس أنا، إذن كيف أجدني؟ ومن أكون أنا؟
سؤال سهل ممتنع يبدأ بمن أنا؟ سيُراودك في هذه الرواية؛ لتمتلئ بالشغف حول الإجابة، حول الأحداث المتلاحقة التي تحملك على مأخذ الجد، ستُسافر ولكن ليس عبر حدود الدول، إنما هي رحلة لنفسك حين تتقمص شخصية البطل.
جاءت رواية "طعام صلاة حب"؛ لتخبرنا بها إليزابيث غيلبرت كيف يمكن أن نصنع حياتنا، أن تكون مسؤولاً بالحرية عن نفسك وعن كل ما يتعلق بك، بطل الرواية كان أثنى، بيدَ أنني الآن أرى أن هذا حق مشروع لكلا الجنسين.
حين يقرر القانون أو الدين محاسبتنا على ما نفعله لماذا لا يمنحنا الحرية (حرية مسؤولة) التي تكفل لنا أن نفعل ما نشاء دون اضطرارية، ودون أدنى تبعية لما يفعله الآخرون، نراعي الجميع بكل ما فيه؛ لنشعر أننا جزء منه، خاصة فيما يتعلق بالزواج، العديد في هذا المجتمع يتزوج؛ لأن جيله من الشباب تزوج، وبقي هو المُستثنى، يتزوج لينضم لقافلتهم؛ ليُصبح له الحق بأن يُرحب به دون تبرير.
بطلة الرواية كانت كاتبة تعيش حياة عادية، لكنها لم تكن راضية عنها، استيقظت وقررت أن تُنهي زواجها، وكفى أن تكون تابعاً وظلاً للرجل الذي تزوجته، حتى إنها قررت أيضاً تعلم لغة أُخرى تُشعرها بالحب، والمتعة، مُتعة روحية بحتة بعيداً عن ما يتعلق بالجسد، ربما لأنها رأت الجسد ورغباته تجعلك أسيراً لشخصٍ ما، وتسجن تفكيرك الذي بإمكانك أن تصنع به طائرة ورقية وتزور السماء ولو لمرة.
تتحدث البطلة "ليز" عن وضوح الذات في المرآة، مُعتبرة أن الانصياع لرغبات من حولنا لا يُشكل من شخصيتنا سوى الرماد، كما دعوة للرقص، دعت الجميع لاكتشاف نفسه، بصدق، وهي تتحدث عن الصدق الذاتي لنخرج منه للصدق مع الآخرين! فكيف يمكننا فعل الثانية دون الأُولى؟!
هي ذهبت للطريق الأصعب، وإنهاء عقد زواجها لتبدأ مع وحدتها من جديد، ماذا كان سيحدث لو استمرت بما كانت عليه؟ كانت ستحيا وتموت إنساناً عادياً، لم يعرف نفسه للحظة، إنما عاش ما اعتقده عنه الآخرون، وأن صوتاً خافتاً يلوح من حين لآخر، أنتِ لستِ حقيقية، وكل ما تعرفينه بأنتِ هو جزء من أشخاص مختلفين تمام الاختلاف عنكِ.
الطريق الأطول الذي يعرج على تعلم اللغة الإيطالية، لماذا اختارت إيطاليا؟ لقد وقعت بحبها كما سيحدث معك حين تتعرف على ثقافتها وأهلها وطعامها في الرواية، وحب الناس هناك لعيش الحياة وكأنها لحظة لا تنتهي، غنية بكل ما يدعو للبهجة.
ربما كانت تُرسل إشارة من أسفل الطاولة، واحداً من الطرق للخروج من الحزن يأتي عندما تتحرَّر من اللغة التي عرفتها طوال حياتك، تعلم لغة أخرى، قد يُصاحبك شعور آخر، كلمات أخرى جديدة قد تحتل محل المشاعر السلبية داخلك.
تعلمت الإيطالية ورحبت بالحياة، كان لا بد من أدوية مضادة للاكتئاب كمرحلة انتقالية، أدوية مضادة لرائحة الماضي وحزنه، والندم الذي تعلق بليز، أو احتضنته لتُكفِّر به عن إحساسها بالذنب تجاه زوجها.
لكنها خرجت منه حين ذهبت للهند لتنتمي لجماعة اليوغا المعتزلة، فهناك يكون الإنسان أقرب ما يكون لنفسه، ويصل لصفاء الذهن الذي يمكنه من رؤية روحه حرة، منسجمة مع هذا الكون، لها وظيفة أساسية كما أرواح الآخرين، كل منها على حدة، كان الأمر في البداية متعباً، ولم تكن تستطيع ممارسة اليوغا، سُرعان ما تتشتت تمر بها الذكريات من كل حدبٍ وصوب، ومن أسفل سجادة الصلاة، مع الوقت وبمساعدة مُرشدتها صارت اليوغا أسهل من قول صباح الخير.
الوصول لمرحلة الإيمان بالنفس فيما بعد كان المرحلة الأهم التي وصلت لها ليز في إندونيسيا، بعد رحلتها في الهند، اكتشفت ليز الحقيقة اللامرئية، أحبت نفسها حين وصلت للحظة التنوير، حينها فقط استطاعت الخروج للعالم بمنتهى الشفافية لتُخبرهم: أيها العالم لقد حققتُ التوازن الذي لطالما أردته، الآن قد أحب وكلي ثقة بأن هذا الحب مع الجنس الآخر لن يؤذي توازني مع نفسي.
اختتمت إليزابيث الرواية بنهاية سعيدة، ربما كما في الحكايات كانت نهاية مثالية، أحبت ليز في الرواية رجلاً برازيلياً، وسافرا للبدء من الصفر، ولكن هذه المرة على أساس متين؛ وجود الذات وتواصل قوي معها، مهما يحدث.
في البداية تجد العنوان يأخذك لتفكر لماذا هذه الكلمات الثلاث "طعام وصلاة وحب؟ ما الصلة بينها؟ ولماذا اختارتها؟ لكن تجد فيما بعد أنها تختصر ثلاث مراحل مهمة في حياة بطل الرواية، وكيف أنها بثلاث كلمات أجملت أربعمائة وثماني صفحات، وملايين الأحداث، وهي ربما أراها رسالة للحياة: كُل جيداً، صلِّ بقلبك قبل جسدك، أحبّ نفسَك لتحبَّ الحياةَ.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.