عندما تتصفح المواقع الإعلامية تجد أن قائمة الأكثر قراءة عادةً ما تكون عن مدى روعة التقدم في العمر وكيف تؤدي تمارين رياضية في 10 دقائق تجعلك أكثر صحة لسنوات أطول. مواضيع من التي تدفع للشعور الإيجابي والعناوين من نوعية "لديك حياة واحدة فتعلَّم كيف تستغلها بالشكل الأمثل".
جدياً، هل هذا ما تريد سماعه؟ متلازمة النعامة؛ رفْض مواجهة حقيقة أننا سنموت يوماً ما وأن تريليونات السنوات ستمر من دوننا. "لنفعل أي شيء لتأخير المحتوم المفزع"، هو ما ينطوي عليه لا وعينا عندما نقول "طارِد أحلامك في هذه الحياة الواحدة والوحيدة".
حسناً، ماذا لو أننا لا نستطيع؟ الحقيقة أن أغلبنا غير قادر على تحقيق معظم أحلامه وفي اللحظة التي نظن أننا فعلنا ندرك أن هناك فراغاً ما يطاردنا ولا نشعر بالرضا عن أنفسنا. يتم حقننا باستمرار بفلسفة التفاؤل غير الواقعية؛ كواحدة من استراتيجيات دفاعية عديدة صُممت لملء الفراغ الكامن في ذواتنا. فكرة أن الحياة مباركة وجذابة يجب أن يتم دمجها في أدمغتنا لتُبعدنا وتشغلنا عن النهاية المحتومة.
كنت أتناول الغداء مع صديق في أحد الأيام كان يتحدث عن صديقه المقرب الذي مات قبل عدة سنوات في عمر الخمسين! "الأحمق"، هكذا نعته، ليس بطريقة شريرة بالطبع، إنما بطريقة يعلوها نوع غريب من الانجذاب. "لم يستمع إليّ عندما أخبرته أنه يجب ألا يطلّق زوجته. لقد أفسد هذا حياته وربما كان سبباً لموته المبكر".
سألت صديقي: ما الفارق الذي سيصنعه وصوله لعمر 100 عام. اعتدل صديقي في جلسته مندهشاً بطريقة تدل على أنه لم يتوقع السؤال. على الأرجح، ظن أنه سؤال غبي. سألته: إذا لم نكن خالدين، فما الفرق الذي ستصنعه عدة سنوات زائدة أو ناقصة؟ أخبرته قائلاً: "كذرَّة رمل في الكون نعيش، وبعدها ستسحقنا الأبدية في مسيرها اللانهائي".
توصلت إلى الحقيقة منذ مدة، ليس كأني عثرت على اكتشاف رهيب، ولكني توصلت إليها ببطء بعد سنوات من قراءة كتب ومقالات تعرض التفسيرات التي يقدمها الدين والتاريخ والفلسفة والعلم لمعنى الحياة. النتيجة التي توصلت إليها فاجأتني؛ إذ كنت أعتقد أني أحوز عقلاً منطقياً علمياً، وأنظر لكل شيء من خلال عدسات "المثقف".
"بالتأكيد، يجب أن يكون للحياة معنى أكثر من مجرد عيش عدة عقود"، هذا ما ظننته. بدأت برفض فكرة أن الحياة تنتهي بشكل مفاجئ. "الميلاد له معنى والحياة لها معنى، لهذا فإن الموت المحقق ليس منطقياً على الإطلاق". في لحظة الميلاد، إذا كان لدينا القدرة على التعبير عن أنفسنا، ألم نكن لِنَصف هذا العبور نحو هذه البيئة الجديدة "بالموت"؟
لا بد أن هناك نوعاً من الوجود المتجاوز. الحياة -كما نعرفها- هي في الحقيقة فترة انتقالية صغيرة في رحلة واسعة ولا نهائية. لست بالضرورة أتحدث عن الدين والإله. أتحدث بالتحديد عن الحياة بعد الموت. العيش في بُعد آخر مع الاحتفاظ بالذكريات. الاحتفاظ بالقدرة على مقابلة والحديث مع من أحبهم؛ أحافظ على هويتي بأي شكل كانت.
بما أنني قلت كل شيء، فلديّ ملاحظة مثيرة أودّ مشاركتها: أصدقائي وأفراد عائلتي الذين يؤمنون بوجود نوع ما من الحياة الآخرة (سمِّها روحاً أو أي وصف آخر يخطر على بالك) يحظون بحالة عقلية أسعد وأهدأ من أولئك الذين لا يعتقدون ذلك. أنا أتحدث عن المؤمنين الأصليين، معظمهم بطريقة ما، يدركون بالغريزة أن التشبث بحياة دنيوية مادية، خصوصاً إذا كانت باذخة، هو ممارسة خاطئة؛ لأنه لا معنى لها في فترة الحياة القصيرة هذه.
الأدهى أن قلقهم من المستقبل يبدو أقل مقارنةً بالآخرين. لا تسيئوا فهمي؛ فهم متمسكون بالحياة ويسعون للأفضل لأنفسهم وعائلاتهم، ولكن ليس هناك قلق أو إدراك مبالَغ فيه لدقات عقارب الساعة.
في لعبة الشطرنج، فإن الجندي الأقل أهميةً يصبح القطعة الأكثر قوةً بعد وصوله لنهاية الرقعة. ألن يكون من المجزي تنحية قلقنا من فترة الحياة وعيش حياة كاملة؟ يجب أن نشعر بالراحة تجاه اعتقاد أننا لا نملك شيئاً لنخاف منه عندما تحين اللحظة الغامضة. من المحتمل جداً أن يكون ممر جديد قد فُتح لنا ليقودنا إلى بُعد آخر.
– هذه المدونة مترجمة عن النسخة الكندية من "هاف بوست". للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.