نزولاً من أمام مسجد السنة، تاركاً ساحته خلفي، متقدماً بالجهة اليمنى نزولاً، ماراً بشباب يتبادلون أطراف الحديث على أنغام قيثارة وآخرين بلباس غريب يداعبون السجائر، ماراً على صاحب الجرائد، مستجيباً لنزوة التصفح والفرار، 4 دراهم تساوي ثمن تذكرة العودة فلمَ أجازفُ؟
محطة القطار على يساري، أأذهب لصعود الدرج الكهربائي هذه المرة مشبعاً رغبتي في كسر القليل من الملل وسرقة النت من المحطة؟
ليس اليوم، لربما غداً..
بعد حين تغزلت بي إحدى الروايات، فقررت مداعبة بعض صفحاتها، فلما لانت بين يدي صارحتني بثمنها فأسررت بنفسي للأسف لن يجمعنا القدر.. بعدها بأمتار تشاهد صفاً من المكفوفين محاولين التظاهر على شكل بيع المحارم الورقية بجانب محلات الملابس، بمحايهم اختصار الصمود والأنفة.. تقدمت محاولاً غض البصر، لكن محاولاتي بائت بالفشل، فكل المتناقضات تمتزج وتنجلي هنا، كل ما ترغبه أمامك، أهل الله والفجار والباقيات الصالحات، وكل ما أشتهي الشيطان.
كل شيء هناك، مركبة الأحلام يقودها غني. وسترة أريد أن أرتديها بأول يوم عمل.. وأمل قد تتضمنه أحد الأسوار أو الأروقة وغيرها مما ستر.
أعشق تلك المتناقضات بمرارتها، فكم جبت ذاك الشارع بلباس رث محاولاً محاكات الرفاهية، لكن دون جدوى.
بعيداً عن صخب المدينة متوجهاً نحو نهر أبي رقراق مطل عليه من ذلك المقهى بجانب الأودية.. كم أحببت ذلك المنظر، كنت أتجول مختلساً النظر هناك كأني أبحث عن غاية ما، لكن كنت أسترق النظر خلسة عن صاحب المقهى فلديَّ فقط ثمن العودة.
بعدها لا يحتضنني سوى الشط مطلاً على تلك المنارة من إحدى الصخور بجانب ثنائي يسرقون بعض اللحظات ظناً أن لا أحد سواهم يرى.
بعد الإمعان لم يلهني عنهم سوى أصوات الصوامع وهي تتعالى بآذان المغرب معلنة عن ميعاد إفطار صائم جال بلا وجهة، ونال حظاً من كل شبهة.
إلا أن رباط الخير تظل المدينة الخالدة ومرتع أفكاري المتشردة، ولمّ شملي بنفسي، فلها بكل سور حكمة لو أصغيت، ولها من كل طيب أطيبه، وبها ملتقى نفسي ومفترقه.
بعد التشهد والحمد تساءلت عن جدوى مروري من كل ذلك: أهي لحكمة؟ فصاح صداي معلناً حكمة العارفين:
سأعلن دولة بندبات شيخ قاوم الدهر وعصى بريق عوزه وانطفى.. وعلى آثار من كَلَّ تقليد الخطى..
سأعلن دولة بدعوة مظلوم جثى للثرى وهو البور وإن سقي ليروى.. سأكون الحاكم بلا عرش ولا أمل.. عُدِمَ بالثرى ومعه كل عملْ..
نحيي لإحصاء الرؤى وما حُصِيَت، فاستعار الراوي بصر القصاص وانتدب المجاز وتشبيهات أخرى ومتشابهات..
ثم لانت المتناقضات لي وانجلت.. واعتدت لها متكئاً وقيل أن أقبِل واصفح ولك الدار العلى..
لا يغرنك تقلبهم ولا ما ترى، فإن سبقوك للخير فاجنح لِأَخْيَرِهِ، وإن غنموا فاغنم واعتزلهم وما صنعوا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.