لا سلام عالمي من دون الإسلام

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/05 الساعة 02:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/04/24 الساعة 10:35 بتوقيت غرينتش

في الوقت الذي تستعر فيه مختلف الحملات الدولية والعالمية للقضاء على التطرّف الإسلامي والإسلام بدعوى مكافحة الإرهاب، تزداد الهجمات الانتحارية في مختلف مناطق العالم، مثل بريطانيا وفرنسا وأميركا وألمانيا، وحتى في دول الشرق الأوسط، مما يعني أن مختلف الهجمات التي تشنّها تلك الحملات، والتي تستهدف المناطق العربية، غير قادرة على تحقيق السلام الداخلي والخارجي.

والسبب هو أن تلك الحملات تهاجم ما أنتجته أنظمة القمع والاستبداد، والأجدر أن تقوم بالتخلّص من تلك الأنظمة الراعية والحاضنة للقتل والإجرام والثأر والانتقام لتتخلّص من الإرهاب.

والإسلام هو الوحيد القادر على تحقيق السلام النفسي والداخلي والعالمي، وذلك لقدرته على تحقيق السلام وضمان استمراريته في علاقة الفرد مع نفسه وعائلته ومجتمعه، وهذا ما سيتم توضيحه في هذا المقال وبظل كتاب (السلام العالمي والإسلام) لسيّد قطب:

ففي علاقة الفرد مع نفسه، بيّن سيّد قطب أن الإسلام هو الوحيد الذي يحقق له السلام العقلي والنفسي والعاطفي، وذلك لأنه دين واضح لا لبس فيه، ويدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وبيّن للفرد أن طرق التواصل مع الله هي مباشرة وفي أي زمان ومكان، فلا تحتاج إلى وساطة أحد.

كما قام الإسلام بإشباع احتياجات وشهوات الفرد دون تعدٍّ ولا طغيان، ولكنه عمل على تقييدها وكبح جماحها لئلا تستعرّ وتودي به إلى الإدمان والأمراض. فدعاه مثلاً إلى التوازن في المأكل والمشرب، وإلى ضبط النفس وعدم المبالغة في الفرح والحزن، وأن يتوكّل على الله في كل أمر ويرضى بالقضاء والقدر، وذلك من منظور الإسلام إلى أن هذه الدنيا هي دار الفناء، وأن الآخرة هي دار البقاء، إضافة إلى أن الابتلاء هو من حقيقة هذه الدنيا، قال تعالى: "وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ (157)" – البقرة.

أما فيما يتعلق بالسلام في العائلة، فقد حرص الإسلام على أن يكون أساسها المودة والرحمة بين الزوجين، قال تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)"، ثم عمل على صون هذه العائلة، فحرّم على كلا الزوجين من التبرّج والاختلاط، وأمرهما بغض البصر وحفظ الفرج، قال تعالى: "قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إلى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) " – النور.

ولضمان البيئة السليمة لتربية الأطفال، حرّم الإسلام زواج المتعة وأي زواج بعقد محدد، كما لعن الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذواقين والذواقات، وهم من يتزوجون لأجل المتعة فقط، فالغرض من الزواج هو استمرارية النسل.

قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأمم"، ولضمان القدرة على رعاية الأطفال، فرض الإسلام على الرجل النفقة لتتمكن المرأة من رعاية أطفالها والتركيز على تنشئتهم تنشئة سليمة، قال تعالى: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِم (34)" – النساء.

أما سلام المجتمع، فهو يتحقق عندما تسود العلاقات بين أفراده المودة والرحمة والتعاون على البر والتقوى، قال تعالى: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)" – المائدة.

وحرّم الرسول – صلى الله عليه وسلم – الاعتداء والطغيان بقوله الشريف: (كل المسلم على المسلم حرام: دمه وعرضه وماله)، كما بيّن أن لا تفرقة عنصرية بين أفراده، فقد سُئل الرسول -صلى الله عليه وسلم- أي الناس أكرم، فقال: أتقاهم.

فالعقيدة أقوى من رابطة الدم مما يمنع من حصول الحقد الطبقي والإجرام الناتج من الظلم والطغيان وانعدام العدل والمساواة في الحقوق والواجبات والقصاص، قال الرسول صلى الله عليه وسلّم: (يا أسامة أتشفع في حد من حدود الله؟ إنما هلك بنو إسرائيل أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد، والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها).

كما حرّم الإسلام الخمر والميسر لما في مجالسهما فرصة للنزاع واللهو عن ذكر الله بقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ (91)" – المائدة. وهناك الكثير ممن يتم ترويعه وتهديده وحتى قتله نتيجة تلك المجالس.

وبعد أن يتحقق السلام في الفرد وعائلته ومجتمعه، يتحقق السلام العالمي بنشر هذه القيم لكافة الأمم، وحماية المسلمين من أي اعتداء، والقضاء على أي طغيان يقف في وجه الدعوة وفي إعطاء البشر حق العيش بكرامة وحرية.

ولذلك أوجب الإسلام إعداد العدة لتحقيق كل ذلك، ولإعطائه الرهبة المناسبة له وللرفع من شأنه وإعزازه بقوله تعالى: "وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60)" – الأنفال، صدق الله العظيم.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
إشراق عرفة
كاتبة وباحثة
تحميل المزيد