الطلاق في زمن الكاندي كراش وحريم السلطان.. طلاق بلا روقان

لي صديق يساري زوجته إخوانية الهوى، ولا يجبرهما على البقاء تحت سقف واحد مع كل المهاترات والنقاشات المحتدة بينهما طوال الوقت سوى مصالح الصغار

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/02 الساعة 08:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/02 الساعة 08:06 بتوقيت غرينتش

"لقد هجرتكِ كزوجةٍ لي، وإنني أفارقك وليس لي مطلب على الإطلاق، كما أبلغك أنه يحل لك أن تتّخذي لنفسك زوجاً آخر متى شئت".

بهذه الصيغة كان المصري القديم يطلّق زوجته، الأمر الذي بحسب ما ينقله لنا توثيق حياة الفراعنة في البرديات وعلى الجدران، لم يكن شائعاً ولا مستساغاً، بل إن الغالب على الزواج في المفهوم المصري القديم كان أنه رباط مقدس، يجمع الزوجين في الدنيا، وفي القبر، وخلال رحلة ما بعد الحياة لينتهيا معاً عاشقيْن في عالم الخلود.

لذا فقد كان مدهشاً، بل وصادماً أيضاً، أن تحتل مصر بخلفيتها التاريخية الشاعرية تلك المركز الأول عالمياً في معدلات الطلاق، فيما يعد تضاعفاً بخمس مرات في نسب الطلاق في المجتمع المصري مقارنة بنصف قرن مضى من الزمان (بحسب الإحصائية الأحدث للتعبئة والإحصاء، فإن مصر تشهد حالة طلاق كل 6 دقائق)، ولأن نصف قرن من الزمان ليست مدة زمنية طويلة في عمر المجتمعات والشعوب، فقد بدت الإحصائية مخيفة ومنذرة ومحرّضة على بدء رحلة جادة هدفها محاولة الإحاطة بالأمر وفهم الأسباب والنتائج.

أذكر أني حين طالعت تلك الإحصائية المخيفة قبل أشهر قليلة علقت بخصوصها على صفحتي الشخصية على فيسبوك، قائلة: "لو كان معمول لنا عمل سفلي على بطن سحلية يتيمة ما كناش هنوصل للمعدل ده".

يومها هالني ما تلقيت من تعليقات ورسائل خاصة، أغلبها من سيدات شابات، منهن من تستدعي مرارة التجربة التي لا تبرح حلقها، ومنهن من تحكي عن اضطرارها للهروب بأولادها خارج البلاد، خشية اختطافهم من جانب والدهم (زوجها سابق) برغم أنهم في حضانتها بحكم القانون، ومنهن من تحكي عن تجربة اختطاف الأب المطلّق للأطفال بالفعل واستعادتها لهم بمزيج من الحيلة والوساطة (هذا الأب كان ضابطاً بجهاز الشرطة بالمناسبة)، أخرى حكت كيف أنها تخفي أمر طلاقها في محيط عملها؛ كي لا تكون فريسة للطامعين وهواة اصطياد المطلقات دون سواهن، وأخيراً وليس آخِراً فهناك منهن تلك التي تجد أنها تحررت بالطلاق من علاقة أساءت إليها، وأن حياة المرأة بعد الطلاق "مش سودا أوي زي الأفلام العربي"، فهناك آفاق جديدة تنفتح أمامها وفرص جديدة للسفر والعمل والحب وإعادة التعرف على قدراتها ومفاتيح دواخلها الخفية.

والحقيقة أن ما قد يدهش الواحد منا أكثر من حجم الظاهرة، هو الأسباب التي عددها المتخصصون، فبخلاف الأسباب التقليدية وراء تفكك الأسرة المصرية كالإدمان وتآكل قيم الطبقة الوسطى التي كانت ترى في الطلاق عيباً وخزياً، والتي كانت بمسلميها ومسيحييها تعتبر الزواج سراً والطلاق أرثوذكسياً لا يحل ولا حتى لعلة الزنا، أصبحت هناك أسبابٌ دخيلة وغير متحسب لها بل وغير مفهومة بالكامل، ومنها مثلاً لُعبة الكاندي كراش! نعم، لُعبة الكاندي كراش التي غدت إدماناً جديداً يستحوذ على شريك الحياة، متهم أساسي الآن في ارتفاع معدلات الطلاق في العالم بأسره، وفي مقدمته مصر (صديقةٌ لي اعترفت أنها طورت مهاراتها في تلك اللُعبة الحربية الشهيرة على أندرويد التي لا أذكر اسمها والتي يُدمنها زوجها، في محاولة لمشاركته ما يحب وكسب وُده).

سبب آخر ذُكر في نفس السياق هو المسلسلات التركية، آه والله! تلك التي "لحست" عقل المشاهدة العربية والمصرية وجعلتها أسيرة لتصورات غير واقعية في الغالب عن الحب والزواج ولم شمل الأسرة.

السياسة أيضاً في مصر في السنوات الأخيرة لعبت دوراً كبيراً في فصم عُرى شريحة من العائلات المصرية، خصوصاً مع حالة الاستقطاب الشرسة التي باتت تحكم الفضاء المصري العام بعد 30 يونيو/حزيران، والتي تسربت منه إلى غُرف النوم (لي صديق يساري زوجته إخوانية الهوى، ولا يجبرهما على البقاء تحت سقف واحد مع كل المهاترات والنقاشات المحتدة بينهما طوال الوقت سوى مصالح الصغار).

وهكذا غدت زيجات المصريين، فيما يبدو، هشة بما يكفي لتهزها الكاندي كراش والمسلسلات التركية وقليل من الأهواء السياسية.

والحقيقة أنني أرى وراء هذا المشهد المرتبك ملامح حضارية أكثر عمقاً، باتت ترتبط بالإنسان الحديث عموماً؛ لتشجعه على فصم علاقات كان يراها في تاريخه غير البعيد مقدسة.

فالإنسان في العصر الحديث فيما يبدو قد بات قادراً على العيش بمفرده، وبغض النظر عن افتقاده للسعادة على وضعية الوحدة والتوحد الاختياري تلك، فإنه يرتاح إليها، بل ويرى فيها تحرراً من قيود اجتماعية كبّلته طويلاً عبر الحلقات المختلفة من تاريخه. لمَ لا، والشات عبر الوسيط الإلكتروني غدا بديلاً مشبعاً عن المسامرات العائلية الحقيقية حول المائدة وأمام شاشات التليفزيون، كما أن مشاهدة مواقع البورن أصبحت البديل الأكثر إمتاعاً عن ممارسة الفعل الحميم مع شريك الحياة (تحتل مصر المركز الثاني بعد باكستان في مشاهدة الأفلام الإباحية وفق إحصائية أكبر محرك بحثي متخصص في هذا المجال).

كما أن "المصري الحديث" لم يعد مضطراً للبقاء متبتلاً في محراب الزوجة التي لم تعد تثير مشاعره، فالخيارات مفتوحة أمامه، وما أكثر زميلات العمل وصديقات الفيسبوك اللاتي تعتبر كل واحدة منهن شريكة حياة محتملة في عينيه! بلاش كل ده! ما الذي يجبره أساساً على أن تكون محاولاته الجديدة مع واحدة من بنات بلاده إن كان قادراً على التجول في العالم وراء عقود العمل في الشركات العابرة للقارات، أو حتى عبر الإنترنت ومواقع "الخاطبة الإلكترونية"؛ ليستكشف جاذبية المغربية أو"غنش" اللبنانية، أو سخونة اللاتينية أو عراقة اليابانية! وإن لم تكن التجربة الثانية مشبعة كسابقتها، فليجرب الثالثة والرابعة وزيادة.. وما ينطبق على الرجل المصري قد ينطبق على المرأة المصرية، وإن قل الاحتمال لأسباب اجتماعية مفهومة تتعلق برؤية المجتمع للمرأة وما تفهمه هي نفسها عن وضعها كوتد الخيمة العائلية الموروثة.

وأخيراً.. يحضرني هنا مشهد وصفه لي صديق من أبناء الواحات، بينما كان يحاكيني عن تقاليد الزواج في مجتمعه البدوي؛ إذ قال إن تقليد الزواج في الواحة كان يقضي قبل عقود قليلة بأن تجدل فتيات العائلة شعور العروس جدائل كثيرة كثيرة، وهي الجدائل التي سيكون على العريس في ليلة دخلته أن يجلس لحلها ضفيرة بعد الأخرى قبل أن يمس عروسه، لماذا؟ ليأتلفا على مهل ويتدرج بينهما الدلال، ولتنزرع في قلبيهما المودة رويداً رويداً.. إنها تقاليد الروقان في أيام الروقان وبلاد الروقان.. وظني أن الزيجات التي بدأت في الواحات البعيدة بمثل هذا الروقان لا يمكن أن تكون انتهت بالطلاق.. أما هنا والآن.. في أيامنا هذه، وفي مدننا هذه، فلا الزواج يتم بروقان ولا حتى الطلاق.

– تم نشر هذه التدوينة في موقع نون

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد