جار المأذون “5” ‎

الست سعدية، أو كما يناديها الصغار فى الشارع طنط سعدية، وهو أبعد الأوصاف عن تلكم السليطة الشريرة، فما كان لمثلها أن يحظى بلقب طنط أبداً، هي امرأة نكدية، يخشاها الشارع كله ويعمل للسانها ألف حساب، فى أول يوم سكنت فيه، نصحنى السمسار نصيحة غالية، أبعد عنها يا أستاذ أحسن دي شر مستطر، بتقول شكل للبيع.

عربي بوست
تم النشر: 2017/04/18 الساعة 05:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/04/18 الساعة 05:12 بتوقيت غرينتش

الست سعدية، أو كما يناديها الصغار فى الشارع طنط سعدية، وهو أبعد الأوصاف عن تلكم السليطة الشريرة، فما كان لمثلها أن يحظى بلقب طنط أبداً، هي امرأة نكدية، يخشاها الشارع كله ويعمل للسانها ألف حساب، فى أول يوم سكنت فيه، نصحنى السمسار نصيحة غالية، أبعد عنها يا أستاذ أحسن دي شر مستطر، بتقول شكل للبيع.

زوجها عم حربي، هادئ لا صوت له، كلما رآه أحد دعا له دعوة فى سره.. ربنا يصبرك على ما ابتلاك، ويجهر بها أصدقاؤه المقربون فى نوبات تندرهم وضحكهم، فإذا ما أطلت تلكم الحرباء، كتموا جميعاً الأنفاس، وكأنما على
رؤوسهم الطير.

عم حربي هادئ مطيع، يتجنب مشاكلها، ويقضي مصالح بيتهم بلا كلل علها ترضى، وأنى لمثل هذه أن ترضى!
يبدأ يومه أمام الفرن البلدي، يأتي بالخبز الطازج وفى نوبة رجوعه يأتي بالفول وأقراص الطعمية الساخنة، يتهدج في جلبابه وطاقيته باسم الوجه يتلقى الصباحات بين خير وفل وورد من الجيران، يردها بصباحه الذي لا يغيره.. صباح الرضا.

كنت محظوظاً فى هذا الصباح حين أدركني بعد أن أدرت محرك سيارتي لأتهيأ للخروج فى يوم من أيام الشتاء فبادرني:
صباح الرضا يا أستاذ محمد
= صباح الفل يا عم حربي، إيه الحلاوة دي… والنبي عريس.

يبتسم ابتسامة خبيثة ثم يهمس إلي:
-وطي صوتك بعدين تسمعك، تجيبك من زمارة رقبتك وانت كتكوت صغير.
= يعني وانت هتسيبني كده يا عم حربي؟ ده أنا ف ضهري سبع.
يضحك مائلاً بظهره إلى الوراء ومصفقاً بيديه بعد أن ترك حاجياته على كبوت السيارة.
-سبع مين؟ ولا أعرفك.. ما أنا خمسين مرة أتعارك وياها وانت كل مرة بتعمل عبيط.
= لا والله ما باعمل عبيط ولا حاجة… أنا كده طبيعي .. خلقة ربنا.

يأخذ قرصين من الطعمية يلفهما في رغيف بلدي سخن، يقدمه إلي بيد ومربتاً على كتفي بالأخرى.
-افطر يا سبع عشان شكلها نزلتك من غير فطار.
يأخذ حاجياته من علي السيارة ويردد… رجالة آخر زمن.

انطلقت إلى عملي مصحوباً بطاقة لا مثيل لها من لقاء هذا الرجل الطيب، ولا أعلم من الذي أوعزه بمثل تلك العملة السودة ، بقي يتجوز علي سعدية؟!.. لله فى خلقه شؤون.
لا زلت لا أعلم تفاصيل الحادث الأليم، وكل التفاصيل عند مولانا.. وليس مولانا بالذي ينطق بأحداث الناس إلا بالنزر الذي نعلمه!

فى رحاب مولانا وفى منظرة بيته

-هو مسعد غراب البين، كان ماله حربي، ما طول عمره صابر على بلوته وساكت، مسعد سهر معاه كام ليلة شقلب مخ الراجل، ويا ريته فضل واقف جنبه، ده أخد ديل جلابيته فى سنانه وطار لأحسن سعدية تمسكه، بس هتروح فين يا مسعد.. هتجيبك هتجيبك، سعدية قدر ومكتوب يا حبيبي.
بادرت مولانا متسائلاً: وهي مين العروسة يا مولانا؟
-والله يا أستاذ بنت طيبة ويتيمة ومش عاوزة غير الستر، سعدية شاطتها زي الكورة، بقت تجري وتتكفى.
= بس انت كده بتكيل بمكيالين يا مولانا، تنكف جوازة مسعد، وتيجي عند عم حربي وتشتغل، مش معاملة دي.
-حربي من حقه يتجوز، إيه رأيك بقى؟ وعدل وستين عدل كمان، هو فى حد منكم صابر علي جيرة سعدية لما هو يصبر علي شركتها في بيته العمر ده.

= يعني الجوازة فركشتها سعدية يا مولانا، والراجل الطيب ده مكتوب عليه الشقا، مفيش حتى نص المدة حسن سير وسلوك؟
يهز رأسه ضاحكاً بخبث، يهم أن يتكلم، ثم يملك زمام نفسه، ويمسك عليه لسانه،
عجيب أمر مولانا، يعرف الكثير، ولا يبوح إلا بالقدر الذي يريد أن يبوح به، ولم لا، وأسرار الكل عنده، وكأنه يغطيها بطاقيته الحمراء، ويشد وثاقها بعمامته البيضاء الزاهرة.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد