بدأتُ أولى ساعات يومي كالعادة بمطالعة صفحات السوشيال ميديا، محاولِة تجنُّب أخبار السياسة والاقتصاد والحوادث والغم بشتى أنواعه، وكان أول "بوست" يقابلني لسيدة نصف مشهورة يبدو أن لها تجربة عاطفية سيئة أرادت نشرها بحثاً عن المساندة المعنوية، أو إثبات نظرية لنفسها ولجمهور "النادبين" خلفها بلا وعي أو مراجعة، وهالني كمّ الإعجاب والشير الذي حصده بوست مهين كهذا.
كتبتِ السيدة الفاضلة بالنص:
"مفيش حاجة اسمها خطافة رجالة، فيه حاجة اسمها بغل سحبته بهيمة وهو مشي وراها زي التور".
سيدتي الفاضلة.. تعليقي الأول على هذا الكلام هو إذا كنت حضرتك اخترتِ بكامل إرادتك بغلاً فماذا يجعل منك هذا الاختيار؟ ثم مرة أخرى إذا أنت اخترت بغلاً، فلماذا تطالبينه بتعامل إنساني راقٍ؟ ثم ثالثاً إذا كانت معاييرك ومجموع خبراتكِ وأخلاقكً اصطفت إليك بغلاً، فلمَ تتعجبين وتستنكرين لهاثه خلف بهيمة؟ إن جاز التعبير، ثم عدتِ فشبهتِ أداء هذا البغل الذي ارتضيته شريكاً وربما أباً لأبنائك بالثور! فبالله عليكِ ماذا يجعل هذا منك مرة أخرى؟! أعتقد أن الإجابة واضحة في عالم الحيوان الذي أوقعتِ نفسكِ به.
قفز إلى ذهني فوراً لدى قراءة هذا البوست فيلم "أميرة حبي أنا"، لقد تعاطفنا جميعاً مع أميرة التي أطلقت عليها حضرتكِ في قصتك بهيمة، تعاطفنا مع تلك البهيمة الخطافة؛ لأن الإطار الدرامي ألقى الضوء على جانب نفسي وعاطفي مهم نريد دائماً إغفاله والعزوف عن مناقشته، تعاطفنا معها؛ لأننا لسنا في موقع الزوجة الأولى، وهذا جزء من ازدواجيتنا البغيضة.
أسمعك تتمنين لي أن أذوق نارك لأشعر بها، أتمنى من الله ألا أكون يوماً بمحلك، ولكِ مني التعاطف الكامل، لكن إلقاء الاتهامات وسب الغير ليس هو الحل لما تتعرضين له أنتِ وقطاع كبير من السيدات.
مرة أخرى لقد تعاطفنا مع أميرة وتمنينا جميعاً النجاح لقصتها، فهل نتقدم فكرياً أم نتأخر؟!
ألمس المرارة والإحباط في كلماتكِ، وللمرة الثانية أتعاطف معكِ بكل قلبي، لكني وددت لو أن الأمور بتلك البساطة، فلو أقررنا جدلاً بوجود مصطلح "خطافة رجالة" فلا بد لنا أيضاً من إقرار لقب "النسونجي" ولا أعلم ماذا تفعل المرأة أو يفعل الرجل لاستحقاق اللقب؟! هل هناك "فورة" من عدد الضحايا مثلاً؟ هل هناك شروط أو أحكام تطبق أو أي ضوابط متفق عليها؟ أم أننا نقذف الناس بالباطل حين يحلو لنا، وطالما أن هناك جمهوراً يصفق لنا لأسباب لا نعلمها ولا نهتم لفهمها!
نحن مجتمع يعشق التصنيف والإقصاء والنازية حتى النخاع، نرتاح لوصم الآخرين وتبرئة أنفسنا، حتى سنأتي يوماً نصنف فيه أبناءنا ونكره أنفسنا، وأعتقد أننا على مشارف هذا اليوم إن لم يكن بعضنا يعايشه.
لست أدافع عن الخيانات أو التعددية أو هدم البيوت مطلقاً، لكن إذا نفينا صفة الشر الخالص عن الزوج والفتاة الأخرى، ونفينا نظرية المؤامرة أو نية الخطف أو الطفاسة عن كلا الطرفان، فهل يتفتق ذهنك عن احتمال ضئيل جداً أن تكون هناك علاقة محترمة بالفعل نشأت لسبب أو آخر لا يمكن حصره هنا؟ أعلم أن السؤال قاسٍ، لكن يجب عليكِ أن تراجعي مفاهيمك عن الزواج، فهي ليست عقود امتلاك للأشخاص مدى الحياة، وإلا لم يكن الله ليشرع حلولاً بديلة حين تستحيل الحياة.
ويكفي أن تضعي نفسك محل زوجك إذا استحالت حياتكِ معه، فماذا تفعلين؟ تستمرين في تعاستك وتكدير شريكك أم تنفصلين بكرامة وتحاولين البدء من جديد؟ أين الصواب في نظرك؟ لا أنفي الظلم الواقع عليكِ أو الضرر النفسي الجم، وليعوضك الله بما لديه من فضل، ولتعلمي أن العدل المطلق لم يخلق للحياة الدنيا فسوف تُظلمين يوماً، ويوماً تَظلمين ولله الاطلاع على نوايا عباده.
أما الحقيقة الأغرب في تلك القصص الثلاثية الأبعاد التي شهدت منها العديد مع الأصدقاء، تلك القصص التي تتهم فيها الفتاة بأنها خطافة، ويرجمها المجتمع معنوياً، ويصب عليها اللعنات إلى الأبد، هو أن الرجل في الأغلب من يبدأ بالسعي؛ بل واللحاق بالفتاة بإصرار شديد إلى أن تنشأ علاقة معتلة بجهل المجتمع، تدفع بالفتاة لمستقبل مجهول، علاقة تظل تأكل من روح الفتاة يوماً بعد يوم، ثم تتركها محطمة مع نهاية مريرة تماماً كتجربتكِ، فهل جال بخاطركِ أيضا أن تلك الفتاة تعرضت لظلم بيّن؟
هي ليست ببهيمة وهو ليس بالبغل، وأنت لست بمغفلة، لم يخلق الله ديناً يفرض على معتنقيه حياة بائسة حزينة لمجرد أن نحافظ على شكل اجتماعي ما، فهل نفرضه نحن؟ قلبي معكِ، ولا أتمنى الوقوف محلكِ مطلقاً، أعانكِ الله على ابتلائك، لكن القليل من العقل يمكن أن يثلج صدرك، والكثير من الإيمان سوف يشفي جرحكِ.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.