السينما أسهمت إسهاماً كبيراً في إفساد كثير من الشباب؛ لأنها تصور المنحرف في صورة بطل وتقدمه على أنه القدوة التي ينبغي الاقتداء بها، هذا الكلام ورد في تصريح نشرته إحدى الصحف المصرية في بداية التسعينيات على لسان أحد الفنانين المصريين الذين حازوا لقب فتى الشاشة.
– عار علينا أي عار حينما يسخّر أعداء العروبة في الداخل والخارج كل أسلحة العصر في الحرب علينا وبها يستطيع تحقيق الانتصارات المتتالية.
أشبهنا بفارس يمتطي جواده من ألف عام شاهراً سيفه ليخوض معركة الألفية الثالثة لم يبالِ بآليات العصر، بينما خصمه يواجهه بأعتى وأحدث أنواع الأسلحة من مدافع وطائرات وصواريخ، ولا شك في أن المعركة محسومة قبل أن تبدأ.
– لو كنت حاكماً أو مليارديراً لنفذت هذا السيناريو حتى يتوحد العرب، توقف طرحي في المقال السابق عند أسباب وقوع الاختيار على الدراما، والآن أكمل.
– سوف أطلب أن يكون اختيار فريق العمل من فنانين وغير ذلك من كافة البلدان العربية مع ضرورة مراعاة إيمانهم وقناعتهم بالقضية التي سيقومون بتجسيدها حتى يصدقهم المشاهد.
– سوف أطلب أن يتم تصوير المشاهد في الأماكن الطبيعية قدر الإمكان.
– أما عن تناول الأحداث وعدد حلقات العمل الدرامي فستكون موزعة كالتالي، على سبيل المثال:
عشر حلقات تخصص لتناول شؤون الحكم على مر فترات التاريخ الإسلامي، ثم عشر حلقات تخصص لتناول أهم الأحداث التي وقعت خلال حكم الخلافة العثمانية وأهم إنجازاتها وأسباب سقوطها، ثم 20 حلقة تخصص لتناول الأوضاع العربية والعالمية التي نتجت عقب سقوط الخلافة مع التركيز على الواقع الذي نحياه الآن، مع زيادة التركيز على حالة البؤس التي تحياها الشعوب العربية، ثم تخصيص حلقة تتناول خروج الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج في آن واحد تخير الأنظمة ما بين الوحدة المشروطة أو التنحي.
– داخل أحداث هذه الحلقة تستجيب الأنظمة لأحد المطلبين، فيتم توجيه دعوة عاجلة لعلماء الأمة في كل التخصصات "علوم الدين والدنيا" من كل مكان في العالم للجلوس معاً، والبدء في صياغة تجربة نموذجية معاصرة من أجل إسقاطها على الواقع، ثم تبدأ أهم حلقات العمل الدرامي التي تتناول الإبداع والعبقرية في كيفية إسقاط التجربة، ثم إبراز العراقيل والعقد وكيفية التعامل وحلها واحدة تلو الأخرى حتى تنجح في كل ملفاتها وجوانبها، ثم البدء في تصوير الواقع الجديد كما ينبغي له أن يكون، وذلك بإظهار الحاكم في صورة القوي الأمين وإظهار البطانة الصالحة، إظهار المسؤولين وهم يتحركون في كل اتجاه من أجل التيسير على المواطنين،
إظهار العاملين في كل القطاعات والأماكن في حالة من الرضا والحماس والرغبة في مزيد من التقدم والتطور، إظهار البيوت الهادئة والشوارع النظيفة، إظهار الرقي في تعامل الناس مع بعضهم البعض، إظهار الحكام العرب وهم يتواصلون ويعرضون مقدرات بلادهم على بعضهم البعض من أجل المساعدة على النهضة، إظهار القوى العالمية أثناء حياكة المؤامرات من أجل القضاء على التجربة العربية، وفي المقابل يظهر المفكرون العرب وهم يتخيلون ويضعون سيناريوهات المواجهة.
– ينبغي أن تنتهي الأحداث في الحلقة قبل الأخيرة، أما الحلقة الأخيرة فيتم تخصيصها لكل العلماء والذين شاركوا في تنفيذ العمل، على أن يخصص دقيقة أو أقل -لكل واحد منهم- يوجه من خلالها رسالة إلى الشعوب العربية مفادها "إذا أردتم تحقيق ما شاهدتموه في العمل وجعله واقعاً فعليكم الخروج يوم كذا في توقيت واحد من المحيط إلى الخليج وتخيير الأنظمة ما بين التنحي أو تحقيق الوحدة المشروطة".
– وهل هناك أمل في نجاح هذا السيناريو؟ أقول: أعتقد أن الشعوب قد وصلت إلى حالة من اليأس وفقدان الأمل وتنتظر فقط من يقودها إلى تحقيق حلم، ثم إذا استجابت الشعوب للدعوة وخرجت جميعها في توقيت واحد سوف تقف الأنظمة عاجزة تماماً، والذي يدعوني إلى هذه الثقة هو أن كل نظام يتعرض لأزمة خطيرة داخلية أو خارجية -تهدد بقاءه- يبدأ على الفور في التفتيش والبحث عن أربعة أمور: أولها المساندة الشعبية، وثانيها المساندة الإقليمية، وثالثها المساندة الدولية، ورابعها البحث عن حل للأزمة، وربما يكون التفكير في حل الأزمة آخر ما تهتم به الأنظمة العربية.
ومن ثم وبمنطق الحسابات سوف تفتقد الأنظمة لأمرين مهمين هما المساندة الشعبية والإقليمية، ولن يتبقى لها إلا مساندة القوى الدولية التي قد تظهر الوقوف على الحياد، وذلك ما قد يدفع الأنظمة إلى اللجوء إلى الأمر الرابع وهو "حل الأزمة"، وأبداً لن يكون العنف وحمل السلاح في حال خروج الشعوب جميعها في توقيت واحد بمطالب واحدة.
– في حال سير الأحداث كما تم تصورها، هل ستقف الدول الكبرى عاجزة أمام هذا الواقع الجديد الذي سوف تشهده المنطقة العربية؟
بالمنطق أقول لا، ولكن منذ سنوات ومع بداية انطلاق شرارة الربيع العربي قد رأينا الموقف الظاهر لتلك الأنظمة وهو الوقوف على الحياد، ولا شك في أنهم يعدون مخططاتهم في الخفاء ثم البحث عمن ينفذها، وأيضاً يطورون تلك المخططات بحسب ما يقتضيه الواقع، ولكن وهل نحن عاجزون عن إعداد مخططات وسيناريوهات للمواجهة؟ ألا نمتلك عقولاً مثلما يمتلكون؟ ثم إن السر في نجاح مخططاتهم هو أن كل دولة عربية تعمل بمعزل عن الدول الأخرى في إطار المصلحة الخاصة دون الالتفات إلى المصلحة العامة ومن ثم يكون من السهل التعامل مع كل دولة على حدة.
– هذا هو السيناريو الذي تصورته، ربما تدخل عليه بعض التعديلات لتطويره وتطويعه، لا مانع من ذلك، فالمهم أن يفكر كل واحد منا في طريق للخلاص من هذه الحال المهينة المزمنة، ووالله ما أحاطت الهزائم بالأمة إلا حينما دب اليأس بداخلنا، وقال قائلنا: "ومَن أنا حتى أستطيع أن أغير من واقع الأمة"، وهذا ما أغرى أعداءنا فنكلوا بنا في كل مكان.
– هو مجرد تخيل، والخيال نعمة عظيمة من الله، فبالخيال أولاً تجول الإنسان بالفضاء، ثم استطاع بالعمل أن يحوله إلى واقع، وبالخيال غاص الإنسان في أعماق البحار والمحيطات، وبالخيال امتلأ الهواء والفضاء بمليارات الرسائل غير المتداخلة رغم تصادمها في الهدف والمعتقد، وما أرانا إلا قد عطلنا هذه الملكة العظيمة التي منَّ الله بها علينا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.