بعد دقائق معدودة من دخول شهر أبريل/نيسان عرفت مجموعة من مواقع التواصل الاجتماعي عادة سنوية تدعى كذبة أبريل، في هذه التدوينة حاولت جمع مجموعة من المعلومات حول كذبة أبريل:
كان الأوروبيون وحتى العرب معهم يحتفلون بـكذبة أبريل أو يوم الكذب في الأول من الشهر الرابع من السنة الميلادية في كل عام، من خلال الخدع وإطلاق النكات والمستملحات.
ويسمى ضحايا ذلك اليوم بأغبياء كذبة أبريل، حيث تشارك وسائل إعلام وصحف ومجلات في الكذب أيضاً، بأن تنشر مثلاً أخباراً ملفقة أو قصصاً وتقارير ليست لها أي أساس من الصحة.
وعلى الرغم من شعبية هذه المناسبة منذ القرن التاسع عشر، فإنها لم تصبح احتفالاً رسمياً في أي بلد بالعالم؛ حيث ظلت فقط مرتبطة بالدعابات والأكاذيب، فسقط العرب في ضحايا لهذه العادة، فأصبحوا ينتظرون هذا اليوم لترويج أخبار أو إساءات غير مباشرة بدعوى هذا اليوم، وتعود قصة كذبة أبريل إلى قصص الشاعر والكاتب الإنكليزي جيفري تشوسر، الذي عاش في القرن الرابع عشر الميلادي، الذي ألّف مجموعة قصصية وشعرية باسم "حكايات كانتربري"، أول من ضمن قصصاً تجمع بين تاريخ الأول من أبريل والأكاذيب، ما يشير إلى قدم هذه المناسبة.
وهناك روايات أخرى تقول إنه لا توجد حقيقة مؤكدة لأصل هذه العادة؛ حيث رجحت بعض الآراء أن أصل هذا اليوم هو أن الكثير من مدن أوروبا ظلت تحتفل بمطلع العام في الأول من أبريل؛ حيث بدأت هذه العادة في فرنسا بعد تبني التقويم المعدل الذي وضعه شارل التاسع عام 1564م، وكانت فرنسا أول دولة تعمل بهذا التقويم، وحتى ذلك التاريخ كان الاحتفال بعيد رأس السنة يبدأ في يوم 21 مارس/آذار وينتهي في الأول من أبريل بعد أن يتبادل الناس هدايا عيد رأس السنة الجديدة.
ثم جاء البابا غريغوري الثالث عشر بنهاية القرن السادس عشر، وعدل التقويم؛ ليبدأ العام في 1 يناير/كانون الثاني، وتبدأ احتفالات الأعياد من 25 ديسمبر/كانون الأول، وأطلق الناس على من ظلوا يحتفلون حسب التقويم القديم تعليقات ساخرة؛ لأنهم يصدقون (كذبة أبريل).
انتشرت في البلدان الأخرى، وانتشرت على نطاق واسع في إنكلترا بحلول القرن السابع عشر الميلادي، ويطلق على الضحية في فرنسا اسم السمكة، وفي اسكتلندا نكتة أبريل.
ويرى آخرون أن هناك علاقة قوية بين الكذب في أول أبريل وبين عيد هولي المعروف في الهند، الذي يحتفل به الهندوس في 31 مارس من كل عام، وفيه يقوم بعض البسطاء بمهام كاذبة لمجرد اللهو والدعاية، ولا يكشف عن حقيقة أكاذيبهم هذه إلا مساء اليوم الأول من أبريل.
تقول نظرية أخرى: إن تلك العادة بدأت مطلع القرن الرابع الميلادي في عهد الإمبراطور الروماني قسطنطين، فقد كان هناك مهرج للقصر يدعى "كوغل"، قال أمام الإمبراطور إن المهرجين يمكن أن يحكموا بشكل أفضل من الإمبراطور، ومن باب التسلية نصب الإمبراطور مُهرّجه إمبراطوراً ليوم واحد في 1 أبريل؛ حيث قرر "كوغل" نشر السخرية والمتعة في ذلك اليوم في أنحاء الإمبراطورية.
وأعجب الإمبراطور بالفكرة، وتسلى بها، فصارت تقليداً كل عام في ذات اليوم.
وهناك جانب آخر من الباحثين في أصل الكذب يرون أن نشأته تعود إلى القرون الوسطى؛ إذ إن شهر أبريل في هذه الفترة كان وقت الشفاعة للمجانين وضعاف العقول، فيطلق سراحهم في أول الشهر، ويصلي العقلاء من أجلهم، وفي ذلك الحين نشأ العيد المعروف باسم عيد جميع المجانين، أسوة بالعيد المشهور باسم عيد جميع القديسين.
والطريف في كذبة أول أبريل أنها تساوي بين العظماء والصعاليك، وبين الأغنياء والفقراء، فقد حدث أن كان كارول ملك رومانيا يزور أحد متاحف عاصمة بلاده في أول أبريل، فسبقه رسام مشهور ورسم على أرضية إحدى قاعات المتحف ورقة مالية أثرية من فئة كبيرة، فلما رآها أمر أحد حراسة بالتقاطها، فأومأ الحارس على الأرض يحاول التقاط الورقة المالية الأثرية ولكن عبثاً.
وفي سنة أخرى رسم الفنان نفسه على أرض ذلك المتحف صوراً لسجائر مشتعلة وجلس عن كثب يراقب الزائرين، وهم يهرعون لالتقاط السجائر قبل أن تشعل نارها في الأرض الخشبية.
وهناك رواية أخرى تقول إن سبب كذبة أبريل عندما جرى ذبح المسلمين وتهجيرهم في الأندلس، أخذوا يختبئون في كهوف الجبال، ولكن الإسبان الصليبيين أرادوا لهم كميناً كان عاراً لهم على مر التاريخ، وهو أنهم (أي الإسبان)، صاروا يعلنون أن هناك سفناً مغربية على الشواطئ الجنوبية لإسبانيا جاءت لتحمل المسلمين إلى المغرب، فمن يريد النجاة بحياته فليسرع إلى الشاطئ، وهكذا خرج آلاف المسلمين من مخابئهم وأسرعوا إلى الشاطئ المقابل لطنجة عند مضيق جبل طارق؛ ليواجهوا مذبحة من الإسبان قضت على أكثر المسلمين حينذاك، وكان ذلك في 1 أبريل، وسمي ذلك اليوم سمكة أبريل " Poisson davril"، أي أنهم اصطادوا المسلمين كالأسماك في ذلك اليوم المشؤوم.
وقد أصبح أول أبريل هو اليوم المباح فيه الكذب لدى جميع شعوب العالم فيما عدا الشعبين الإسباني والألماني، والسبب أن هذا اليوم مقدس في إسبانيا دينياً، أما في ألمانيا فهو يوافق يوم ميلاد "بسمارك "، الزعيم الألماني المعروف.
إلا أن بعض العلماء والفقهاء علقوا على هذا اليوم بقولهم: ستقبل بعض الناس أول شهر أبريل بعادة قبيحة لم تنبت في أرضنا ولم تخرج من ديارنا، وهي ما سموه كذبة أبريل، في حين علق الداعية الإسلامي عبد العزيز الطريفي بالقول: أعظم وعيد جاء فيمن يروّج إشاعة كاذبة قوله صلى الله عليه وسلم: "يشق شدقه إلى قفاه ومنخره وعينه إلى قفاه، فإنه الرجل يغدو إلى بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق"، كما جاء على لسان الشيخ يوسف القرضاوي.
وقال الدكتور علي جمعة: إن قضية الكذب في أول أبريل بدعة منكرة، والأفضل أن يحتفل في أول أبريل بيوم اليتيم وليس بيوم الكذب. وأضاف في فتوى له عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" أن الكذب من الكبائر، ومن الأمور التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم نهياً تاماً، سواء أكان كذباً مفرداً، أو كمنهج؛ لأن هناك من المناهج ما هو كاذب، وما هو يعتمد عليه الكذب في ذاته.
وقال تعالى: "إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون" سورة النحل: 105، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان".
كل هذه دلائل شرعية على تحريم الكذب، ولو بالمزاح؛ لذا يجب علينا الترفع عن هذه العادة الذميمة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك القوم ويل له ثم ويل له".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.