لماذا لم يعد الإصلاح الاقتصادي أمراً ممكناً؟

بنت عم الصومال.. كذلك كان التشبيه الذي أطلقه سائق التوك توك على الوضع الاقتصادي في مصر، بمقياس الواقع، السوق المصرية منهارة وفي حالة مزرية والشارع يغلي

عربي بوست
تم النشر: 2017/04/11 الساعة 03:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/04/11 الساعة 03:58 بتوقيت غرينتش

بنت عم الصومال.. كذلك كان التشبيه الذي أطلقه سائق التوك توك على الوضع الاقتصادي في مصر، بمقياس الواقع، السوق المصرية منهارة وفي حالة مزرية والشارع يغلي.

البداية في مثال بسيط شهدته السوق خلال الأيام الماضية وهو ارتفاع سعر طن الحديد إلى 11 ألف جنيه ثم عودته إلى سعر 6600 ليستقر في النهاية عند 8500 جنيه للطن، كيف حدث ذلك كله؟ ولماذا؟

ارتفاع سعر الطن كان بسبب إيقاف الحكومة الاستيراد من الخارج بسبب أزمة الدولار، وهو ما أظهر الأمر بصورته الحقيقية، فشركة عز بصفتها المحتكر الأكبر لسوق الحديد فلا منافس لها سوى المنتج الأجنبي؛ لذلك استغلت وقف الاستيراد لترفع السعر بذلك الشكل وتحقق أرباحاً خيالية، مستغلة عطش السوق، وكأن السوق لقمة سائغة في يد مؤسسة واحدة، ثم يعود الاستيراد من جديد، فينخفض السعر حسب حركة السوق،

المراقب للحركة الاقتصادية سيعرف أن السوق المصرية منعدمة الكفاءة، فلو أنه تم وقف الاستيراد من أجل حل أزمة العملة سيتوجب توفير البديل من السوق المحلية بسعر مناسب للمستهلك، وجدوا أنفسهم في مواجهة اختفاء السلع وتركزها في منتجات معينة يتجاوز سعرها الحد المعقول، وهو ما يدفعنا إلى فرضية اختفاء العملة الدولارية في السوق البنكية والسوق السوداء، حينها لن يجد المستوردون ما يشترون به السلع من الخارج،

وهو ما تكرر حدوثه في الأشهر الماضية، وهو ما أدى إلى حدوث عدة أزمات كارثية كأزمة الدواء على سبيل المثال؛ لأن القطاعات الإنتاجية في مصر فقدت قدرتها على تقديم منتج يكفي حاجة السوق، مثلما حدث في أزمة السكر التي لم تنتهِ بعد، والتي أظهرت بشكل واضح ما يعانيه القطاع الغذائي مثلاً في مصر.

أزمة الدولار الذي انخفض بشكل وهمي ثم ارتفع مرة أخرى ليسجل الآن أكثر من 18 جنيهاً في البنك المركزي نفسه أخبرتنا عن حقيقة التبعية الاقتصادية للخارج، فليس هناك صناعات داخلية تقدم للسوق ما تستغني بها عن الشراء من الخارج، ويظهر ذلك بوضوح في العجز الكبير في ميزان الصادرات والواردات البالغ 50 مليار دولار.

حديث الحكومة عن سعيها لجذب الاستثمارات من الخارج يدفعنا إلى البحث في حقيقة السياسة النقدية المصرية حالياً بعد اتخاذ قرار التعويم؛ حيث أصدرت البنوك المحلية شهادات استثمار تقدم معدل فائدة 20%، وبالنزول إلى أرض الواقع فإن عوائد المشاريع الاستثمارية التي تظهرها دراسات الجدوى لا تتجاوز 12% بحد أقصى 15%، في مقابل معدل خطورة يتجاوز ذلك الرقم، وهو بسبب نقص العملة الأجنبية وفقدان العملة المحلية قدرتها، أي أن الحكومة وبكل بساطة تدعو المستثمرين إلى الإتيان إلى مصر من أجل شراء الشهادات الاستثمارية، وليس من أجل إقامة مشاريع ذات جدوى اقتصادية.

أظهر التقرير السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي تراجع مركز مصر في مؤشر التنافسية العالمي؛ لتحتل المركز 115 من 138، وارتفاع معدلات التضخم بشكل غير مسبوق، وأظهر التقرير أن معدل الناتج الإجمالي المصري بالنسبة للمجموع العالمي لا يتجاوز 0.92% أي أنه لم يصل حتى 1% من مجموع الدخل الإجمالي العالمي، ومن أبرز المشاكل التي أظهرها التقرير قائلاً إنها سبب ذلك الانهيار الاقتصادي هي: عدم الاستقرار السياسي، وعدم الاستقرار الحكومي، وعدم القدرة على الحصول على تمويل استثماري للمشاريع وأزمة العملة الأجنبية والفساد.

معدلات التضخم الآخذة في الارتفاع تضرب بعرض الحائط كل ما تعلنه الحكومة من مساندتها للطبقات الفقيرة والمتوسطة التي اقتربت من التلاشي، فالقدرة الشرائية للمستهلكين انخفضت بشكل كبير وما أكد ذلك ما أعلنه الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء منذ أيام عن أن مصر الثالث عربياً في الجوع ومرشحة لأن تكون الأولى في 2018.

انعدام التنافسية في السوق وتحالف السلطة والثروة الذي وضع السوق في أيدي قلة من المحتكرين لم يكن هو الخطر الوحيد على السوق، بل أضيف إليه تدخل المؤسسة العسكرية في السلع السوقية، التي ليست تشكل أي خطر يستدعي تدخل المؤسسة العسكرية وهو ما يطرح العديد من التساؤلات حول طبيعة النشاط الاقتصادي للمؤسسة العسكرية ومدى تأثيره على السوق ومعدل التنافسية.

تزايد معدل الاقتراض الذي تخطى إجمالي الناتج المحلي قضى على آمال توفير سيولة نقدية للمساهمة في تقديم تمويل للقيام بمشروعات استثمارية، سواء كان القائم بها عنصراً أجنبياً أو محلياً.

الاضطراب السياسي المتفاقم والتصريحات التي يقدمها النظام بشكل دائم عن وجود الإرهاب في مصر، رغم عدم القدرة على المواجهة مثلما يحدث في سيناء، وما شهدته الفترة الماضية من تهجير للأقباط قدم صورة مخيفة للمستثمرين الأجانب عن طبيعة الوضع الأمني في مصر.

كل التحليلات والآراء تتلاشى إذا ما رأيت الغضب المعتمل في صدور الفقراء والعامة، الذي ينذر بأن تكون الاستفاقة من أحلام اليقظة مفزعة وغير متوقعة؛ لأنها ستأتي من الشارع ولن يكون لها علاقة بالسياسة والكيانات.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد