لكل أمر إيجابياته وسلبياته؛ وهذا أصل ينطلق من مبدأ الحياة القائم على أن لكل أمر ندَّه، فالخير نده الشر، والصدق نده الكذب، والعدل نده الظلم، وإذا كان الخير إيجابياً بطبعه فالشر سلبي بمكنوناته، ومن ثم فهذا هو المبدأ المتاح للعمل به في الحياة بشكل عام، وهو يمتاز بالعدل لمن أراد الخير لنفسه، ويمتاز بالخبث لمن جعل على عينيه غشاوة، فلم يعُد يبصر الأشياء الجيدة من حوله.
وبتقدم علوم الحياة وظهور وسائل تكنولوجية عديدة جعلت؛ بل سهلت من عمليات التواصل بين أقطاب المعمورة، وزادت من مصادر المعرفة والمعلومات، وذلك لسهولة وجودها ونشرها على الشبكة العنكبوتية، كل هذا خلق أنواعاً من الإيجابيات التي يسّرت على الناس بأطيافهم وجنسياتهم كافةً مسألة الحصول على المعلومة، وفي الوقت نفسه جعلت من العالم قرية صغيرة، وعمدت مواقع التواصل الاجتماعي بأنواعها كافة إلى تقريب وجهات النظر أحياناً وإبعادها في أحيان أخرى. وأضحت بمثابة سلاح ذي حدين؛ إن لم تُجِد استخدامها فلربما تكون من ضحاياها.
وهذا ما بات يُعرف في أيامنا بالجرائم الإلكترونية، وبدأ بأخذ أشكالاً متعددة داخل المجتمعات، ولعل المجتمع الفلسطيني يعاني هو الآخر هذه الظاهرة وبشكل لافت للعيان، حيث كثُرت في الآونة الأخيرة قضايا الابتزازات الناتجة عن مثل هذه الجرائم، ولعل النِسب التي أشار إليها الناطق باسم الشرطة الفلسطينية في العديد من المواقع الإخبارية، لدليل قوي على أن هذه الجرائم باتت تهدد النسيج الاجتماعي وتقلق وتخيف الناس الذين لم يستطع البعض منهم حتى اللحظة إدراك كيفية التعامل مع هذه القضايا.
خاصة أن المجتمع المحافظ له ضرائبه التي لا يمكن للبعض تجاوزها، فتشير إحصائيات الشرطة إلى حدوث ما يقارب الـــ400 جريمة منذ بداية العام الحالي وحتى نهاية مارس/آذار منه، وأما في عام 2016، فقد بلغت الجرائم الإلكترونية في الضفة الغربية فقط ما يقارب الـ1327 جريمة، وهذا بالطبع مؤشر خطير على وجود مثل هذه الجرائم التي تؤثر بشكل سلبي في حياة الناس.
وللأسف، لا يوجد قانون فلسطيني مختص حتى اللحظة بمثل هذه الجرائم، ومن ثم فإن التعامل مع مرتكبي الجرائم الإلكترونية يتم على أساس أنها جرائم واقعية، أي يتم التعامل معهم وفق نصوص قانون العقوبات الأردني الصادر عام 1960 والمطبق بالأراضي الفلسطينية، حيث يتم تحويل قضاياهم إلى جرائم واقعية تنطبق مع النصوص الواردة في القانون، ومن ثم يتم تقديمهم للمحاكم على نصوص قانونية لا تصلح لقضاياهم، وهذا أيضاً من العوامل التي تُخيف الناس من تقديم الشكاوى في هذا المضمار؛ بسبب عدم وجود قانون رادع يجعل من الجاني عِبرة لغيره.
إلا أنه ونظراً لخصوصية الوضع في فلسطين وللحفاظ على الترابط الوطني، ولأهمية إدراك الجميع نوايا الاحتلال وما يمكن أن يحيكه ضد هذا الشعب، وللحد من مثل هذه الجرائم، بادرت الشرطة الفلسطينية إلى إنشاء وحدة متخصصة بالجرائم الإلكترونية من طاقم متخصص، هدفهم إيقاف، أو بالأحرى الحد من عمليات التشهير والابتزاز التي تحدث على مواقع التواصل الاجتماعي.
وبالطبع، التعامل مع هذه القضايا والجرائم لا يقع على عاتق أحد بعينه أو على عاتق جهة معينة؛ بل يقع على عاتق الجميع، وفي المقام الأول "الأهل" الذين يتوجب عليهم توعية أبنائهم ومراقبتهم باستمرار، والسؤال الدائم عنهم وعدم ترك مسافات بين الآباء والأبناء، فمثل هذه المسافات تُولّد الفتور في العلاقات ومن ثم تقود إلى كوارث لا يحمد عقباها، وأيضاً يتوجب على الجميع الوعي والإدراك لأهمية إشراك الشرطة في مثل هذه القضايا؛ حتى لا يكون الإنسان عرضة للابتزاز وما شابه من قضايا قد تؤثر سلباً عليه، والأهم من هذا كله "احفظ تُحفظ".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.