الموصل.. صانعة الإرهاب

مَن كان يسأل عن صناعة الإرهاب، وكيف يتحول الإنسان إلى قنبلة أو سيارة مفخخة يقتل بكل حيوانية؟ فليس عليه سوى متابعة الأوضاع في الموصل لتتضح له الصورة كاملة، ويفهم لمَ العالم كله في ورطة الإرهاب

عربي بوست
تم النشر: 2017/04/07 الساعة 01:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/04/07 الساعة 01:50 بتوقيت غرينتش

انتشال أكثر من خمسمائة جثة في الموصل شرقي العراق، والعدد مرشح للارتفاع، وآلاف الفارين من الموت المحقق على يد قوات التحالف، راعية حقوق الإنسان في العالم، والمدافعة الأولى عنها، التي تخوض الحروب دوماً تحت شعار محاربة الإرهاب الذي يهدد العالم، فتصنع بأفعالها إرهاباً، والفرق هنا أنه بلا حسيب ولا رقيب.

مَن كان يسأل عن صناعة الإرهاب، وكيف يتحول الإنسان إلى قنبلة أو سيارة مفخخة يقتل بكل حيوانية؟ فليس عليه سوى متابعة الأوضاع في الموصل لتتضح له الصورة كاملة، ويفهم لمَ العالم كله في ورطة الإرهاب.

مئات الجرحى وإعدامات بالجملة ومجازر يعجز اللسان عن وصفها تنفذها قوات التحالف الدولي في الموصل شرقي العراق، ومن المرجح كالعادة أن تمنع الدول العظمى مجلس الأمن المجتمع الليلة ككل ليلة لدراسة الوضع في الموصل المنكوبة، والذي اكتفى بالتعبير عن قلقه من إصدار أي قرار أممي ينقذ الموصل، ويجرم الحلفاء سدنة حقوق الإنسان، في مشهد يومي بات متكرراً، وتتواصل المجازر بعده في الموصل وتتشابه وتتكرر.

الموصل تحترق، الموصل تُباد، هولوكوست الموصل، هيروشيما العراق، تختلف الأسماء والموت واحد، لا أحد يبالي، ترتكب المجازر، تنتهك الحرمات، تقصف المستشفيات، يحاصر ملايين البشر، تئن الإنسانية ولا أحد يبالي.

مَن يجرؤ على أن يحاسب التحالف الدولي ويوقف جنونه في الموصل؟ تستمر الإبادة والمجازر في الموصل، والموت القادم من الغرب لا مفر منه، فليست باريس أو شارع إيبدو أو حريقاً كحريق تل أبيب تتسارع الدنيا لإطفائه.

كم أنتِ غير محظوظة يا موصل! كم أنتِ مغدورة ومطعونة من كل اتجاه مثل قضية شعبك! هي أصبحت لمن يدفع أكثر بمنطق الولايات المتحدة، زعماء العالم اليوم، وأنت يراد لك ألا تصبحي ولا تمسي إلا وأنت منتهية.

هي الموصل حين تكشف أسوأ ما في السياسة، هي الموصل حين تكشف العالم الذي يكيل بمكيالين، هي الموصل حين يموت الناس دون ذنب أو سبب.

ويتواصل الموت في الموصل دون توقف.. لم يبقَ في الموصل سوى قرى مهجورة ومبانٍ مدمرة ومستشفيات تحت القصف.

آخر ما تبقى من الموصل طفل يبحث عن أُمه، أُم تدور في الشارع تفتش عن أبنائها، أب يبكي شهيداً، آخر ما تبقى من الموصل جثث في الشوارع، وقبور لم تعد تتسع للموتى، ورائحة الدماء وصلت للعالم كله، فتغاضى عنها ساسته تحت قوة مفعول التخدير الأميركي.

آخر ما تبقى من الموصل أطفال يتعلمون كيف يحقدون على عالم اللاإنسانية، وقد يتحولون غداً إلى براميل متفجرة تنفجر في وجه العالم على الطريقة الداعشية، وعذرهم لم يروا غيرها ليتعلموه.

ما أشبه الليلة بالبارحة، ما أشبه قرى الموصل بشوارع حلب وبورما، والمشكلة أنهم عرب ومسلمون، لن يلتفت إليهم أحد، فدماؤهم رخيصة جداً عند الساسة ومنظمتهم.

عرفنا من تاريخ الأمم المتحدة الحافل بالإنجازات أن هناك قتيلاً يتباكى العالم عليه، وقتيلاً يغض الطرف عنه، وتودع ملفاته في سلة المهملات.

عرفنا أن هناك إرهاباً حليفاً وإرهاباً ينتظر التصنيف، وإرهاباً مخيفاً يتسارع العالم لشن حروبه الوهمية ضده، حتى ولو كان نتاجاً للإرهاب الدولي الذي تسبب ساسة وزعماء العالم في تقويته ونفوذه حتى أصبح لا يستحيي فيما يفعل، ويضرب بالقرارات الأممية عرض الحائط، ولمَ لا ما دام الجاني والقاتل وسارق الأرض لا يُسألون عما يفعلون والضحايا يُسألون ويتساءلون؟
لكِ الله يا موصل، فهو خير حافظاً، وهو أرحم الراحمين.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد