الفيسبوك.. هل أصبح طريقنا لانتزاع حقوقنا؟

لقد أصبح الأمرُ اليومَ مغايراً بفضل هذا الاختراع، من خلاله تنعقدُ آلافُ الاجتماعات لمناقشة شؤون عامة وليس شأناً واحداً ويتمُّ تبادلُ الأفكار وتوحيد الجهود والتنسيق والتعارف دون الحصولِ على إذنٍ مسبقٍ لموعدِ الاجتماعِ وزمانِه وموضوعِه، أوِ الغايةِ منْهُ

عربي بوست
تم النشر: 2017/04/07 الساعة 03:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/04/07 الساعة 03:41 بتوقيت غرينتش

يُعد اختراع الفيسبوك ثورة تكنولوجية تستحق التأمل والتقدير، ولو عدنا إلى ما قبل هذا الاختراع من قِبل مارك لوجدنا أنه كان هناك قانونٌ يسمى قانونَ الاجتماعات العامة الفلسطيني، وكان ينص في أحد بنوده على أن "للمواطنين الحق في عقد الاجتماعات العامة والندوات والمسيرات بِحُرِّيةٍ، شريطةَ توجيهِ إشعارٍ كتابي للمحافظ أو مدير الشرطة بذلك قبل 48 ساعة على الأقل من موعد عقد الاجتماع".
لقد أصبح الأمرُ اليومَ مغايراً بفضل هذا الاختراع، من خلاله تنعقدُ آلافُ الاجتماعات لمناقشة شؤون عامة وليس شأناً واحداً ويتمُّ تبادلُ الأفكار وتوحيد الجهود والتنسيق والتعارف دون الحصولِ على إذنٍ مسبقٍ لموعدِ الاجتماعِ وزمانِه وموضوعِه، أوِ الغايةِ منْهُ.

ما جعلني أتناولُ هذا الموضوع هو قيامُ عشراتِ النشطاء الذين تضررت مصالحهم جراء الانقطاع المتواصل للكهرباء، رغم تباين أحوالهم واختصاصاتهم وطموحاتهم وإنجازاتهم؛ بل وانتماءاتهم الفكرية من إنشاء صفحة وإدارتها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، والدعوة من خلالها للخروج في مسيرات منددة باستمرار الأزمة، مطالبين الجميعَ بتحمل المسؤولية الوطنية والأخلاقية تجاه الشعب.

وهنا تجدر الإشارة -ونحن بصدد الحديث عن وطنية هؤلاء الشبان وعن الدور الذي لعبوه في تحسين جدول الكهرباء- إلى أنهم أبناءُ أُسَرٍ منهَكَةٍ ومحبَطة ومتعبة وهي تلهث لا تستطيع التقاط أنفاسها جراء دفع الفواتير وتأمين لقمة العيش لتسد بها رمق أفرادها.

هؤلاءِ البسطاءُ الذين تجعدت وجوههم قبل أن يبلغوا سنَّ الثلاثين، كبروا على أرصفة الكفاح والشقاء، هم في ظني لا يبحثون عن مغنمٍ أو عمولة، أو منصب، وإنما كانت وجهتَهم وطنٌ ضاق بأهله حتى انفجرت عقولهم بكلمة لا، وليسوا عابثين بالأمن ولا خارجين عن الصف الوطني، لا يحملون كما يدَّعي البعض أجندةً حزبيةً ولا خاصة، ولا يتلقَّوْنَ تمويلاً من جهاتٍ مشبوهة، هدفها زعزعةُ استقرار البلاد، والسلم الأهلي، ولم يكونوا جزءاً من حالة الاستقطاب، كما لم يكنِ اجتماعُهُم التحضيريَّ لهذه المسيرات منعقداً في دار الندوة،

ولا في بيت أحد أشد المعارضين لنظام الحكم أو برعايته، ولا حتى تحت جنح الظلام، أو بعيداً عن أعين السلطات، بل كان على العام، عبر منصاتهم المتواضعة، الكل على دراية بما يخططون وما يريدون، يعرف السلطان والسلطات كل همسة وكلمة، وكل مخطط وخطة، دون الحاجة لإرسال مندوب، تميزوا بصبرهم ورباطة جأشهم؛ حيث بقوا على مدار الساعة في اجتماع دائم لمناقشة أنجع السبل للحد من تغول زمرة متنفذة تسلطت على جيوب الفقراء وعلى رغيفهم، وسلبت عرقهم وجهدهم وكفاحهم، بنوا غناهم على فقرهم، وعزهم على ذلهم، وصادروا أدنى حقوقهم.

واصلوا الليل بالنهار حتى خرجت المسيرات الجماهيرية في شمال قطاع غزة ومخيم النصيرات وسط القطاع؛ لترفض الواقع غير الإنساني المُهين، خاصة أزمة الكهرباء التي يعاني منها القطاع منذ سنوات، فرغم استخدام القوة المفرطة من قِبل أجهزة الأمن لفض المشاركين في المسيرة والاعتداء عليهم بالضرب، واحتجاز عدد من القائمين عليها لبعض الوقت، فإنهم لم يقفوا مكتوفي الأيدي أمام كارثة الاستخفاف بالمواطن وازدواج الثقافة والهوية، والعبث بالقيم، كما وضعوا حداً للترويج لبضاعة الدجل وتجميل الوجوه الفاسدة البشعة، والرقص على حبال العاطفة، وتسويق العهر السياسي، والكذب المغلف بالسم والترياق.

في الواقع فإن هذا القمعَ يُضفي على النفس تساؤلاتٍ كثيرةً واستهجاناً، خاصة أن أجهزتنا الأمنيةَ التي تحمي وطناً أرضه سليبة، وحقوق شعبه مصادرة منتهكة من قِبل الغاصب قد تخرج معظم قادتها من سجون الاحتلال وفعلوا كل ما بوسعهم من إضرابات واحتجاجات تطالب بتحسين ظروف معيشة السجناء؟ كيف تأتى لهم أن يقمعوا مظاهراتٍ تندد بتقصير حكامهم وأن الأصواتَ التي تتعالى بإطلاق حرية الفكر في الشق الآخر للوطن وتندد بحجب الرأي ومصادرة الحريات وتخوض معارك إثبات الوجود الشرسة وتسن القوانين كي ينتصر الفكر الحر هي التي تنتهك فيها الحقوق،

وعلى أعتابها تموت فرص ممارسة الحرية والديمقراطية، ثم إن ما يجب أخذه بعين الاعتبار والتوقف عنده مليّاً هو أن قمع الحريات هو وأد للمحكومين ولحق وجودهم، وهو أشد قبحاً من وأد الجاهلية فحسب، فالجسد مجرد وعاء لما يمتلئ به، وهو الروح والفكر، ولا يقتل في هذا الزمن سواهما بحرمانهما من الحق الطبيعي في الحياة بحرية وكرامة، والعدو الغاشم من يسرق حقوق الناس ويصادر كلمتهم ويكمم أفواههم ويلغي حناجرهم.

وحرية الرأي والتعبير من القضايا الأساسية التي أكدتها كافة المواثيق الدولية؛ نظراً لأهمية هذا الحق الذي يعتبر من القواعد الأساسية لحقوق الإنسان، والمظاهرات والمسيرات السلمية الاحتجاجية التي يخرج فيها المواطنون تعتبر أرقى ما توصلت إليه أذهان البشر من مظاهر الانتقاد والاعتراض، وفي أي دولة حرة تؤمن بمبادئ حقوق الإنسان، كلما كان خروج المظاهرات لهدف مشروع وإحقاق حق بدون فوضى أو تخريب، قامت السلطات بواجبها في حمايتها وتأمين حدوثها، يبدو لي أن هذا الاختراع (الفيسبوك) لم ينهِ حياة قانون الاجتماعات العامة فحسب؛ بل أنهى الكثير من معاناة المواطنين، وهو في طريقه إلى تكملة مسيرته في تحقيق الغايات، وأهمها العدالة في الحقوق والواجبات وأهداف أخرى.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد