إلى رواندا.. مع الحكاية

نصيبنا أننا وصلنا مساء، لكن لم يفُتنا الكثير ما إن وقفت الحافلة حتى بدأ صوت الموسيقى والأهازيج الإفريقية يعلو في استقبالنا، وكانت مفاجأة الاستقبال مع وجود الأستاذ أسعد طه وباقي أعضاء إدارة المخيم، نزلنا واحداً تلو الآخر، 20 فرداً تسابقنا للسلام عليهم والرقص معهم

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/31 الساعة 07:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/31 الساعة 07:56 بتوقيت غرينتش

شغف وحماس وترقّب كان شعوري منذ اللحظة التي قدمت فيها طلباً للالتحاق بمخيم "كيف تحكي الحكاية" مع مدرسة الوثائقيات الأستاذ أسعد طه، كان هدف المشاركة واحداً من أهم الأهداف في حياتي العملية، فكيف إذا كان المخيم في إحدى دول القارة الإفريقية!

ومع إرسال الموافقة من إدارة المخيم، بدأت الحكاية، وبدأت معها التحضيرات، كان لديَّ تخوف من السفر إلى إفريقيا، وازداد مع عدد التطعيمات الواجب أخذها، من الكبد الوبائي، إلى التيفوئيد والتيتانوس وانتهاء بالحمى الصفراء، ولحبوب الملاريا معي قصة أخرى، وما تبقى ليس بالأمر السهل.

أمران هما الأهم كان عليَّ القيام بهما؛ موافقة والدي، وأخذ إجازة من العمل، وعندما تيسرت الأمور انطلقت للاستعداد، والبحث عن كل ما يتعلق برواندا، ووجدت أن غالبية المصادر تتناول حرب الإبادة الأهلية بين الهوتو والتوتسي، وقصص نجاح لأفراد تجاوزوا ظروف الحرب التي راح ضحيتها أكثر من 800 ألف خلال مائة يوم!

قلت في نفسي: انطلقي يا فتاة، هي مغامرة جديدة تستحق أن تكون إحدى المحطات المهمة في حياتك، وخطوة أساسية في بداية مشوارك مع الوثائقيات، وعيشي التجربة بلحظاتها وتفاصيلها.
ﺧﺎﺻﺔ إذا ﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬﻩ اﻟﺘﺠﺎرب إﻳﺠﺎﺑﻴﺔ تبني داﺧﻞ أروقة ﻧﻔﻮﺳﻨﺎ شيئاً ﻳﺘﻌﺎﻧﻖ ﻣﻊ ﻣﺤﺼﻠﺔ ﺗﺠارب أﺧﺮى وﻫﻜﺬا ﺣﺘﻰ ﺗصقل ﺷﺨﺼﻴﺎﺗﻨﺎ، فالحكاية بوصلة توجه العقل إلى ﻓﺘﺢ أوبا اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ والجمال اﻟﻤﻜﻨﻮن في حياة الأفراد، نستطيع من خلالها صنع عالم خاص في هذه المدرسة.

يوم السفر.. ولقاء الصدفة

كانت رحلتي طويلة مقارنة مع الرحلات التي قمت بها إلى الأردن وإسطنبول وعدد من دول الخليج؛ حيث استغرقت 8 ساعات من الوقت، انطلاقاً من دبي مروراً بأديس أبابا، وانتهاء بكيغالي.

في مطار أديس أبابا كنت أسير تائهة رغم صغر مساحته، بين كل متر ومتر أسأل عن البوابة الخاصة برحلة كيغالي، وأثناء سيري؛ إذ بصوت من قريب يسألني: "هل أنت ذاهبة إلى مخيم كيف تحكي الحكاية؟"، أجبتها نعم، مَن أنت؟ كان لقائي بشادن من فلسطين وهي إحدى الصديقات المنضمات للمخيم من أجمل الصدف المضحكة في هذا المطار، فالجوع والحاجة إلى الذهاب للحمام هما المسيطران على تفكيري تلك اللحظة، وبمجرد أن عرفتني بنفسها قلت لها: "أهلاً شادن، أنا جوعانة وبدّي أروح ع التواليت، يلّا نروح ناكل"، لم أكن أدرك أنها المرة الأولى التي أقابل فيها الفتاة!

ولم أتوقع أن ترفض تناول الطعام لخوفها من طبيعة الأكل وغرابته، وعرضت عليَّ بعض المأكولات التي اصطحبتها معها من فلسطين لتتناولها خلال رحلتها، وكم كنت سعيدة بتناولها، ومع ذلك غامرت وذهبت لتناول الطعام الذي اقتصر على "الأومليت" مع عصير البرتقال.

بقي القليل على انطلاق رحلتنا، أثناء ذلك وصل أصدقاء آخرون من مصر ولبنان سننطلق معا إلى كيغالي، صلاح وسمية وأميرة تعرفت عليهم من خلال المجموعة الخاصة بالمخيم على الفيسبوك، لكن المعرفة على أرض الواقع لها طعم مختلف أقرب إلى القلب والروح، كان المرح حاضراً رغم تعب الأجساد التي أنهكها السفر.

في كيغالي.. اكتمل النصاب

هامت نفسي فوق السحاب لحظة دخولنا في سماء رواندا، الخضرة والبحيرات، وبيوت متفرقة كأنها عشوائيات، هذا المشهد الأول من شباك الطائرة كون لديَّ انطباعاً غلفته سعادة داخلية وراحة أوحت لي بأن القادم سيكون جميلاً بحجم هذا الجمال الذي رأيته.

وعندما هبطت الطائرة، كانت قلوبنا جميعاً تتسابق إلى الخارج للقاء بالزملاء، فهنا نقطة الالتقاء لجميع المنضمين للمخيم، انتظرنا طويلاً وبدأ مع هذا الانتظار نزول رذاذ من المطر تحول بعد فترة إلى زخات مستمرة، عِشنا معها طقوس الفصول الأربعة، بين نسمة باردة وأخرى دافئة، تحمل معها دفء الانتظار وحميمية اللقاء.
حين التقى الجميع كأننا نعرف بعضنا منذ زمن بعيد يتسابق الجميع للتحية والمساعدة في نقل الحقائب إلى الباص الذي سينقلنا إلى قرية "رويزا" في كيبوي.

المسار واحد.. والنكتة في الضياع

انطلقت رحلتنا قبل مغيب الشمس من كيغالي إلى أرض المخيم، وانطلقت معها قلوبنا وأرواحنا من شدة بهجتنا بالمناطق الطبيعية الخلابة التي رأيناها، وانطلقت معها ألسنتنا في الحديث معاً والتعرف على بعضنا أكثر، والحديث عن مشوار السفر الذي لم ينتهِ بعد.

ثلاث ساعات دخلنا خلالها في المغيب وعتمة الليل، فلم تكن الطريق مضاءة، ومع وجود بعض البيوت على هامش الطريق استطعنا أن نشاهد جزءاً من تفاصيل المنطقة بإضاءتها البسيطة، وما إن يمر الوقت قليلاً حتى نسأل زميلنا "طه العاني" عما تبقى من الوقت للوصول، فأجابنا أخيراً: "يا شباب لقد ضعنا"، أدرك البعض منا أنها خطة من الإدارة لإضافة المزيد من التشويق على الرحلة، فقال أحد الزملاء من اليمن الشقيق "أحمد يحيى": "يا أستاذ طه كيف لنا أن نضيع ولم نرَ أي مفترق للطريق؟ فالمسار واحد"، فضحكنا جميعاً مع إصرار طه على أننا أضعنا الطريق.

أمتار بسيطة تبقت على وصولنا للمخيم، لكن هذه المرة مغامرتنا مع الباص الذي توقف عن المسير ولم يستطِع السائق الصعود به لانزلاق الطريق مع المطر ووزن الحقائب المكدسة في الخلف، فاضطررنا للنزول، وقام الشباب بالدفع من الخلف إلا أن تم الأمر وأكملنا المسير.

كانت هذه اللحظات هي الأولى في تواصلنا مع أشخاص روانديين، أطفال ونساء وُجدوا على أطراف الطريق أثناء ذلك وحاولوا التواصل معنا بلطف شديد أدركت بعد أيام أنهم على مقربة من أرض المخيم والتقيت بهم مرات عديدة.

استقبال بالأنغام الإفريقية

نصيبنا أننا وصلنا مساء، لكن لم يفُتنا الكثير ما إن وقفت الحافلة حتى بدأ صوت الموسيقى والأهازيج الإفريقية يعلو في استقبالنا، وكانت مفاجأة الاستقبال مع وجود الأستاذ أسعد طه وباقي أعضاء إدارة المخيم، نزلنا واحداً تلو الآخر، 20 فرداً تسابقنا للسلام عليهم والرقص معهم.

ومع بداية هذه الليلة بدأت حكايات أخرى من أرض الحكايات.. وحكايات مليئة بالخبرة والتجربة ومشبعة بالأفكار مع الأستاذ أسعد طه.. نسردها في حكاياتنا المقبلة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد