يشغل التصميم الداخلي دوراً أساسياً في حياتنا اليومية ويدخل في عمق تفاصيلها الحياتية، بطرق مباشرة وغير مباشرة وعلى جوانب متعددة مختلفة؛ كالنفسية والاجتماعية والثقافية.
يعرف التصميم الداخلي بأنه مجموع التخطيط والتصميم للفراغات الداخلية، والتي تهدف إلى تسخير الاحتياجات المادية والروحية والاجتماعية للناس، والتي بدورها تضمن سلامة المبنى، وهو يتكون من جوانب تقنية وتخطيطية وأخرى جمالية والفنية.
ومن خلاله، يتم توزيع وتنسيق وتصميم لعناصر المكان بالشكل الأمثل والأفضل والأجمل، سواء من حيث اختيار الألوان، أو الخامات، أو الأساليب، أو قطع الأثاث، إضافة إلى الإكسسوارات، واستغلال المساحة كاملة قدر المستطاع؛ ليخدم متطلبات الإنسان الفنية والمادية والمعنوية.
تظهر أهمية التصميم الداخلي، بشكل واضح وجلي، في استغلال الفراغات الداخلية بالبيوت والمنازل؛ لكون المنزل هو المكان الأكثر خصوصية للإنسان والأكثر تفاعلاً. يلعب أصحاب المنزل -وخاصة الأم- الدور الأساسي في تنظيم وتنسيق البيت واختيار الأثاث والإكسسوارات المختلفة. فعادة هي التي تقوم بترتيب تلك القطع؛ لتلبي حاجاتها ولتعطي لمستها الخاصة في بيتها ومكانها وحيز عائلتها الخاص بأرجاء البيت كاملة.
وعندما يحين دور الغرف الخاصة بالأطفال، تواجه الكثير من الأمهات صعوبات متعددة في اختيار قطع الأثاث المختلفة، والألوان المناسبة، وكيفية ترتيبها، وإلى ماذا تحتاج بالضبط. من الأمهات من يلجأن إلى اختيار أنماط واختيارات مكررة وتقليدية؛ كاختيار اللون الوردي لغرف نوم الفتيات، واختيار اللون الأزرق لغرف نوم الأولاد.
ويتكرر بالوتيرة نفسها، اختيار الألوان ذاتها للجنسين فيما يخصهم من هدايا وملابس وأثاث، فيتم تخصيص اللون الوردي للبنات، والأزرق للبنين. بصفتي مصممة داخلية، أعتقد أنه من الخطأ الشديد حصر حياة الأطفال اللونية فقط في لونين؛ فعالم الألوان عالم واسع، ومتنوع، وغني جداً ومليء بالحياة، وأكثر بكثير من مجرد لونين فقط وبدرجاته.
كما أن تخصيص لون محدد لفئة معينة لا يجوز؛ لأن الدرجات المختلفة من اللون نفسه وتنسيقها مع ألوان أخرى تنتج لدينا أمزجة وأنماطاً لونية جديدة، ما ينعكس بشعور مختلف في كل مرة. فاللون الوردي مثلاً نستطيع اختيار درجة لونية فاتحة منه كدرجة (Pale pink ) أو الوردي الباهت ليكون لوناً أساسياً في غرفة المعيشة أو المطبخ مع درجات من اللون الرمادي ويكون مزجاً لونياً ناجحاً جداً. فهنا لا يقتصر معنى اللون فقط على الأنوثة وإنما يستشعر الإنسان في هذه الحالة الهدوء والسكون× إضافة إلى الدفء.
قدرتنا على اختيار الألوان المناسبة ومزجها بدرجات مختلفة، يفتح المجال الواسع باختيارات متعددة ومتنوعة، تنعكس على نفسية الإنسان، فلماذا لا نستخدم ألواناً تمنح شعوراً بالحيوية، بالإشراق والإيجابية، كاستخدام اللون الأصفر، أو ألواناً توحي بالسكينة، والصفاء والطبيعة الهادئة كما هو الحال في درجات اللون الأخضر. واستخدام درجات اللون البرتقالي الموحية بالفرح والدفء، إضافة إلى اللون الأحمر الذي يعطي شعوراً بالشغف، الطاقة، والاندفاع؟ حتى درجات اللون الأزرق التي تمنح شعوراً بالثقة، والسلام والبرودة، أما اللون البنفسجي فإنه يشعرنا بالفخامة، والترف والغموض.
كل الألوان جميلة، وبكل لون عالم من التنوع والخيال والمشاعر، وكلها -نعم كلها- مناسبة لغرف الأطفال ولجميع غرف البيت. لكن يكمن السر دائماً في اختيار الدرجة المناسبة للون، والألوان المرافقة له. كما يدخل في اتخاذ قرار اللون المناسب، الهدف منه والمعنى المرافق لاستخدامه ضمن الحيز المراد فيه، فمثلاً: إذا كان الهدف الإيحاء والشعور بالاتساع والهدوء اتجهنا -كمصممين- إلى استخدام درجات لونية فاتحة (كالأبيض، الأصفر الموزي، الوردي.. إلخ).
واذا أردنا أن نعكس حيوية للمكان، استخدمنا ألواناً حادة وقوية أكثر (كالأحمر، الأصفر، البرتقالي.. إلخ). وإذا اتجهنا إلى الغموض أو لجعل المكان يبدو أضيق، أو أفخم يتم استخدام درجات غامقة اللون (كالكحلي، الرمادي، العنابي.. إلخ) وهكذا. وبذلك لا نحصر أنفسنا في ألوان معينة؛ بل نختار ألواناً تمنح هوية فريدة للمكان، تبعاً للذوق والشخصية والهدف المراد منه.
أثاث الغرفة:
عند اختيار أثاث غرف الأطفال تحديداً، يجب مراعاة عدة نقاط مهمة؛ كعمر الطفل، أو عدد الأطفال في الغرفة، ولأي فترة زمنية يطمح الآباء إلى أن يخدمهم هذا الأثاث، فإذا كان الطفل يقترب من مرحلة المراهقة، أو أن الآباء يطمحون إلى أن يتم استخدام هذا الأثاث أطول فترة ممكنة، فعندها يفضل عدم اختيار قطع الأثاث التي تتخذ من الشخصيات الكرتونية والطفولية شكلاً لها (كالأَسرَّة على أشكال السيارات أو سبونج بوب..إلخ)؛ لأن الطفل يكبر وتتغير احتياجاته وميوله، خاصة الأطفال على أعتاب عمر المراهقة.
إذ إن الطفل في هذه السن يسعى إلى أن يخرج من مرحلة الطفولة إلى مرحلة النضج، فنرى اهتماماته واحتياجاته تتغير وتتبدل باستمرار. كما أن الأطفال يتجدد حبهم لشخصيات كرتونية فترة بعد أخرى.
ومن ثم، يفضل اختيار قطع الأثاث البسيط الذي يتماشى مع أكثر من فئة عمرية، ويتكيف مع عدة تغيرات. ونستطيع تلبية رغبة الطفل في وضع شخصية كرتونية أو طفولية أو أي شيء من اهتماماته من خلال إكسسوارات الغرفة المختلفة؛ كغطاء السرير، والستائر، والسجاد وحتى الألعاب الموجودة.
أيضاً، يجب مراعاة السلامة والأمان في شكل الأثاث؛ فنحاول الابتعاد عن الزوايا الحادة والقطع الصغيرة جداً التي قد تؤذي الطفل، إضافة إلى مراعاة وجود الحمايات كما في الأسرة متعددة الطبقات، وأساليب الحماية في أبواب الخزائن أو الجوارير؛ حتى لا تؤدي إلى إيذاء الطفل وأن تكون سهلة الاستخدام بالنسبة له.
وبما أن أغراض الأطفال متعددة وكثيرة، فمن المهم أن نأخذ بعين الاعتبار وجود مساحات تخزينية كافية من خلال الخزائن، والجوارير، والأرفف، واستخدام السلال والصناديق. ومن المهم كذلك، ترك حيز قدر المستطاع في غرفة الطفل يسمح له باللعب والحركة وتأدية النشاطات.
في النهاية، قد لا نملك كلنا مساحات واسعة جداً في بيوتنا وغرفنا، لكن الذكاء في الاختيار واستخدام الألوان المناسبة، وترتيب قطع الأثاث بطريقة مدروسة، إضافةً إلى اختيار عناصر صحيحة- هي التي تمنحنا مساحة مناسبة، وكافية لكل احتياجاتنا العملية وتلبي رغباتنا وتمنحنا حيزاً مميزاً يتماشى مع شخصيتنا وأذواقنا، وتشعرنا بالراحة والسعادة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.