لم يعد من المقبول السكوت والانتظار للنهاية المحتومة القادمة من ظاهرة الاحتباس الحراري، لقد تحرك العالم من حولنا في خطوات جادة للحد من تلك الظاهرة التي إذا أهملناها ستودي بحياة الملايين وربما بنهاية الكوكب كله إذا استمر الحال على ما هو عليه، والحقيقة أننا لو انتظرنا تحركاً جاداً من الحكومة المصرية لعلاج تلك المشكلة فهذا ضرب من الخيال؛ لذا فعلينا نحن كأفراد ومواطنين أن نعمل على هذا حفاظاً على مستقبل الوطن والأجيال القادمة.
وحتى يحدث ذلك من قوى المجتمع المدني يجب على الأفراد المشاركين أن يكونوا على دراية بتفاصيل المشكلة دون مصطلحات علمية يصعب على غالبية الشعب المصري فهمها؛ نظراً لطبيعة التعليم السيئ للمتعلمين، وأيضاً للأمية المنتشرة في البلاد؛ لأن الكل يجب أن يشارك وليس فئة معينة من فئات المجتمع.
في البداية ما هو الاحتباس الحراري؟ ببساطة هو زيادة درجة حرارة الأرض مع زيادة في غاز ثاني أكسيد الكربون الذي تقدر نسبته بحوالي 230 مليار طن في الجو، وغاز الميثان، مما يعمل على تدفئة جو الأرض عن المعدلات الطبيعية، ولك أن تعلم أن درجة حرارة الأرض الآن ضعف ما كنت عليه قبل 200 عام مضت.
وبالطبع هذه الأشياء حدثت نتيجة تدخل الإنسان في الطبيعة عبر الثورة الصناعية، والاعتماد على الوقود المستخرج من الأرض، مثل النفط والفحم والغاز الطبيعي، مما يساهم في زيادة نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون، الذي بدوره يعمل على زيادة درجة حرارة الأرض؛ مما يتسبب في:
– وفاة أكثر من 400 ألف حالة سنوياً، حسب تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية، بل ويتوقع خبراء من جامعة أكسفورد أن يصل هذا الرقم إلى 600 ألف حالة بحلول عام 2030 إلى 2050.
– ذوبان المناطق والأنهار الجليدية، وتأثر القطب الشمالي بذلك؛ مما يترتب معه ارتفاع منسوب مياه البحر، والتعرض للفيضانات، وأيضاً هطول الأمطار في غير موعدها.
– يتوقع خبراء أن تكون هناك ندرة في المحاصيل الزراعية، والمواد الغذائية، بحلول عام 2050 أيضاً؛ لزيادة نسبة التصحر وقلة خصوبة التربة، بسبب التغير المناخي، وما سيترتب عليه من تلف المحاصيل، بل ويحدث الآن.
– ظهور الآفات والأمراض في المناطق الاستوائية.
– طوكيو، نيو أورليانز، الإسكندرية والدلتا، مومباي، أمستردام، كلها مناطق مهددة بالزوال مع ارتفاع منسوب مياه البحر الناتج عن الاحتباس الحراري.
ظاهرة الاحتباس الحراري تهدد العالم كله بمستقبل قاتم، ولكن أكثر المناطق تضرراً في العالم هي مناطق شرق آسيا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وعندما تسمع وتقرأ ذلك من أبحاث وتقارير دولية وبيئية تستشعر بالقلق؛ لأننا لم نتحرك أي خطوة جدية للأمام ليس للقضاء على الظاهرة، ولكن للحد منها.
وأخص هنا بالذكر مصر، تلك الدولة التي ستتأثر بشدة من تلك التغيرات المناخية ولا تأخذ الأمور على محمل الجد، فلا يوجد أي تحرك حكومي واضح أو خطة استراتيجية لمواجهة الاحتباس الحراري (دع الملك للمالك) هكذا نسير.
في العام الماضي شهدت مدينة الإسكندرية سيولاً غرقت بعدها عروس النيل، لسوء البنية التحتية في كل أنحاء مصر، أتحدث هنا عن الأمطار فقط، فما بالك بارتفاع منسوب البحر المتوسط.
المسؤولون في القاهرة لا ينظرون حولهم لدول واجهت مواقف مماثلة مثل هولندا، والتي غرقت معظم أراضيها في عام 1953 نتيجة فيضان، مما جعلها تبني أقوى شبكة دفاعات بحرية في العالم، وتم خلالها تأهيل السواحل وبناء سدود وقنوات ومنشآت لضخ المياه.
وبالطبع الميزانية لا تسمح لمثل تلك الأشياء، وإن كانت تسمح بشراء أسلحة ومعدات بالمليارات دون الدخول في أي حرب قريبة، أعتقد أن الحرب القادمة هي مع الطبيعة، وهي ما يجب أن نستعد لها، أما عن بدائل الفحم والبترول فمن المؤسف أن تسمع تصريحاً من وزير البيئة المصري خالد فهمي بأن استخدام الفحم في مصر أمر ضروري لإنتاج الكهرباء، وكأننا نعيش خارج الكرة الأرضية، ولا أعلم لِمَ لا نلقي نظرة على ما حدث في العالم من حولنا، فهناك دائماً حل؟ الحل إذاً يتمثل في العودة إلى الطبيعة مرة أخرى عن طريق عدة محاور رئيسية.
– نموذج كريم الهندي: هي قصة لناشط بيئي قرر أن يشيد غابة في منطقة قاحلة في ولاية كيرالا، 35 عاماً قضاها الرجل يبني غابته وحده دون مبيدات أو سماد فقط بذور وماء، حتى صارت تجربته تدرس في الجامعات الهندية، ومحل اهتمام المتخصصين في علوم البيئة، فالغابات تعتبر مصرفاً للكربون وأيضاً تحتجز 19% من الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري، فتجد أنه إذا كانت درجة حرارة الولاية 30 أو 40 درجة تكون في الغابة 20 درجة، ويكفي فقط أن نستغل المناطق الصحراوية في المحافظات أو على الطرق الصحراوية لتنفيذ تلك الفكرة.
– التحول إلى الطاقة النظيفة والمتجددة:
هناك العديد من المصادر الطبيعية التي نستطيع أن نستخرج منها طاقة دون أي انبعاثات للكربون والغازات، وهي أيضاً موفرة؛ لأن التكلفة تكون في تشييد المحطة والصيانة الدورية والأمثلة كثيرة:
• الطاقة الشمسية: هناك دول تقدمت في إنتاج الطاقة الشمسية مثل ألمانيا التي تنتج 10000 ميغاوات وتخطط لاستخدام 100% بحلول عام 2050، وهناك أيضاً إسبانيا 3500، واليابان 2700، والولايات المتحدة 1800، وإيطاليا 1300، والصين 400، والهند 200 ميغاوات.
وتعتبر الطاقة الشمسية أقرب وسيلة لبدائل الوقود للوطن العربي؛ نظراً لدرجات الحرارة العالية للمنطقة معظم السنة، التي يمكن أن نستخدمها لإنتاج الطاقة الشمسية.
• طاقة الرياح: تعتبر طاقة الرياح من أرخص مصادر الطاقة تكلفة، وعلى الرغم من ذلك هناك فقط 8 دول على مستوى العالم تنتج أكثر من 80% من الناتج العالمي، وعلى سبيل المثال: الصين التي تنتج 145362 ميغاوات، والولايات المتحدة 74471 ميغاوات، وألمانيا 44947 ميغاوات.
والملاحظ هنا أيضاً أنها نفس الدول المهتمة بإنتاج الطاقة الشمسية، وهذا يظهر لك كيف أن هؤلاء ينظرون للمستقبل، فمعظم هذه الدول تضع خططاً استراتيجية طويلة المدى لتوليد الطاقة المتجددة في بلادهم بنسبة 100% بل وتصديرها للخارج بحلول عام 2050، وتمتلك مصر محطة واحدة لتوليد طاقة الرياح وهي بالزعفرانة، وإن كنا نأمل أن تكون 20 محطة، فكندا وحدها تمتلك 36 محطة لإنتاج طاقة الرياح.
• الطاقة الكهرومائية: هي طاقة مولدة من انحدار المياه على المولدات؛ مما ينتج عنها طاقة كهربائية، وهناك دول تتصدر القائمة، معظمها أيضاً من القائمة السابقة، ولا داعي للذكر ليس بينهم أي دولة عربية، ويوجد لدينا في مصر 5 محطات لتوليد الكهرباء من السد العالي، ولكنه أدى أيضاً إلى تقليل خصوبة التربة في مصر لاحتجازه الطمي خلف السد، مما أدى إلى حاجتنا المستمرة إلى الأسمدة.
تلك هي الأنواع الممكن تطبيقها في دول نامية كالتي نعيش فيها، ولها نتائج مبهرة في قطاع إنتاج الكهرباء والطاقة، وأيضا التخلص من النفط بالتدريج، وكل هذا لا يحدث سوى بقرارات من الحكومة التي يجب أن تشجع الشركات والمستثمرين على هذا القطاع عن طريق إعفاءات من الضرائب لمدة معينة، أو بتسهيل الإجراءات للمستثمرين ليكون السعر مناسباً للجميع.
علينا تشجيع السيارات صديقة البيئة مما سيقلل توليد غاز ثاني أكسيد الكربون وسيحد من تلوث الهواء.
هناك أيضاً بعض الدول التي فرضت ضريبة على الكربون المستهلك من قِبل المصانع والشركات، بمبدأ أن من يلوث البيئة عليه أن يدفع ضريبة لذلك، وكانت ألمانيا في صدارة الدول الأوروبية التي طبقت تلك الضريبة
الآن وقد عرضت معظم الأفكار التي تم تطبيقها عالمياً، والتي إن أوليناها الاهتمام لحققنا طفرة اقتصادية في وقت قياسي، وأيضاً سنحد من ظاهرة الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية المصاحبة لها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.