عند استيراد مستحضرات العناية الشخصية ومستحضرات التجميل وبشكلٍ خاص من دول الاتحاد الأوروبي، يُلاحظ وجود عبارة (خالٍ من الديوكسان) على لواصق المنتجات وبخطٍ واضح، لماذا يتم التنويه بذلك الأمر وبهذه الصورة؟ وما هو الديوكسان؟ هذا ما سنعرض له خلال السطور القليلة القادمة.
ما هو الديوكسان؟ وأين يوجد؟
الديوكسان 1,4-Dioxane عبارة عن سائل شفاف، عديم اللون، متطاير، قابل للاشتعال، يذوب في الماء بسهولة، غير قابل للتحلل البيولوجي، يستخدم بصفة رئيسية كمادة مذيبة في صناعة الدهانات، والنسيج، والإلكترونيات، ولا تدخل هذه المادة مُطلقاً في صناعة المنظفات أو مستحضرات التجميل ومستحضرات العناية الشخصية.
كثيراً ما يخلط الناس بين الديوكسان ومادة الدايوكسين Dioxin الملوثة للبيئة، التي تنتج من حرق الوقود كالأخشاب والفحم والنفط مع أن بين المادتين بوناً شاسعاً، هذا يصنف الاتحاد الأوروبي لمستحضرات التجميل الديوكسان ضمن المواد التي يجب ألّا تشكل جزءاً من المستحضر التجميلي.
يوجد الديوكسان كإحدى المواد الشائبة الثانوية في مستحضرات التجميل، وبنسبة تصل في مجموعها إلى 22 بالمائة في عدد من مستحضرات التجميل يصل إلى 25000 نوع، وفقاً لقاعدة بيانات Skin Deep، كما تم رصد الديوكسان في 97 بالمائة من مستحضرات فرد الشعر، بالإضافة إلى 57 بالمائة من مستحضرات الأطفال. في عام 2007 قامت بعض المعامل الكيميائية الخاصة، وبرعاية حملة "نحو مستحضرات تجميل آمنة"، بتعقب وجود الديوكسان في مستحضرات التجميل؛ فأسفرت التحاليل عن وجود الديوكسان بعدد كبير من المنتجات العالمية في مستحضرات التجميل.
أما في عام 2009 فقد سحبت الهيئة العامة للغذاء والدواء في المملكة العربية السعودية عدداً كبيراً من عينات الشامبو المتوافر بالمملكة، وقد جاء ذلك كأحد ردود الفعل التي تبعت إعلان بلدية دبي رصد نسبة عالية من الديوكسان تفوق المصرح بها عالمياً في عينات الشامبو التي تم إخضاعها للفحص، ثم أعلنت السلطات في المملكة العربية السعودية أنها رصدت بعض المعلومات من مصادر مختلفة عن احتمال تلوث بعض أنواع الشامبو، خصوصاً شامبو الأطفال، بمادة الديوكسان التي قد تسبب مرض السرطان، وبناءً على المعلومات التي توافرت لدى الهيئة أعد قطاع الدواء دراسة مفصلة عن الديوكسان، وتم سحب عينات لعدد 84 نوعاً من الشامبو من الأسواق، وتحليلها داخل وخارج السعودية؛ حيث أكدت الاختبارات تلوث ثمانية أنواع من الشامبو بنسبة عالية من الديوكسان، وقامت الهيئة بمخاطبة الجهات المعنية لاتخاذ الإجراءات النظامية اللازمة حيال سحب هذه المنتجات من الأسواق وإيقاف دخولها إلى المملكة.
وفي يونيو/حزيران 2010 رصدت وزارة البلدية والبيئة القطرية وجود نسب فوق المسموح بها عالمياً من الديوكسان في شامبو هيد آند شولدرز، وقد خاطبت الوزارة الجهات المعنية لأخذ التدابير اللازمة لحماية المستهلك.
آلية تكوين الديوكسان
وفقاً لمنظمة الغذاء والدواء FDA، فإن الديوكسان يتكون خلال إنتاج مواد النشاط السطحي، وعوامل الاستحلاب، ومواد الرغوة، والمواد المعززة للرغوة، والمواد المذيبة التي تحتوي على مقطع PEG أو المحتوية على كلمة بولي إيثيلين PE أو بولي إيثيلين جليكول PEG أو كلمة بولي أوكسي إيثيلين POE أو المحتوية على مقطع "-eth-" أو مقطع "-oxynol-"، وهذا يعني أن الديوكسان ليس مقتصراً على التواجد في مستحضرات الشامبو فقط، بل إن كل المستحضرات الرغوية عرضة للتلوث بالديوكسان، تشمل المستحضرات الرغوية غسول الفم، ومعجون الأسنان، وغسول الوجه، والغسول المهبلي، والصابون بأنواعه، والبودي لوشن وغيرها.
أما عن آلية تكوين الديوكسان فيمكن فهمها من خلال الحقيقة التالية: بعض المواد الأولية الداخلة في صناعة المستحضرات لها تأثير قاسٍ على الجلد، فيستلزم ذلك تقليل التأثير المزعج لهذه المواد على الجلد من خلال إخضاعها لعمليات كيميائية معينة. وبالمثال يتضح المقال، فمادة صوديوم لوريل سلفات SLS تستعمل كمادة رغوة وعامل نشاط سطحي وعامل بلل واستحلاب في صناعة المنظفات ومستحضرات العناية الشخصية وغيرها.
يؤخذ على SLS أنها تسبب تهيج الجلد والتهابه؛ مما يوجب تقليل تأثيرها السلبي على الجلد من خلال تحويل إلى مادة أقل إضراراً بالجلد مثل مادة صوديوم لوريل إيثر سلفات SLES (التي نطلق عليها في مجال التخصص صوديوم لوريث سلفات).
التحويل من SLS إلى SLES يكون بإضافة جزيء أو أكثر من الإيثيلين أكسيد EO للصوديوم لوريل سلفات، وتسمى هذه العملية بالإيثوكسيلية Ethoxylation process وبزيادة عدد جزيئات الإيثيلين أكسيد في المركب تقل درجة اهتياج الجلد. هذا ما يفسر استعمال SLES في مستحضرات الأطفال، وهنا يجب التنويه بأمرين هامين للغاية: الأول أن الديوكسان يتكون خلال عملية الإيثوكسيلية كأحد النواتج الثانوية لهذه العملية، أما الثاني فهو أن وحدات EO في حد ذاتها مسرطنة للإنسان وترتبط بالدرجة الأولى بسرطان الثدي.
أحد أخطر العوامل في الديوكسان هو توافر مادة البروبيلين جليكول في ذات التركيبة، ذلك أن الديوكسان له القدرة على اختراق الجلد، في حين أن البروبيلين جليكول هو أحد محسنات الاختراق بما يعني أن نسبة الديوكسان التي تعبر لداخل الجسم تزيد وربما تتضاعف عنها في غياب البروبيلين جليكول. في الإنسان وعلى المدى البعيد، فإن الديوكسان يؤدي للإصابة بالسرطان وأمراض تليف الكلى والكبد.
في دراسة استمرت لمدة عامين أجراها برنامج السموم الوطني الأميركي NTP تمت إضافة الديوكسان بتركيزي (1.0 & 0.5%) لماء شرب الفئران والجرذان، فوجِد أن المستويات العالية من الديوكسان في مياه الشرب أدت إلى سرطان الكبد، مع ظهور سرطان داخل أنف الفئران.
في السبعينات من القرن الماضي حذرت منظمة الغذاء والدواء FDA من الديوكسان إثر دراسة تابعة لمعهد السرطان القومي الأميركي NCI ربطت بين الديوكسان والسرطان في حيوانات التجارب، كما أكدت FDA أن الديوكسان له القدرة على اختراق جلد الإنسان والحيوانات حال وجوده في التركيبات المنظفة المختلفة ومستحضرات التجميل ومستحضرات العناية الشخصية.
في فبراير/شباط 2007 تم إطلاق حملة "نحو مستحضرات آمنة" بالتعاون مع الكاتب ديفيد ستينمان David Steinman في مؤتمر صحفي موسع جاء فيه: "إن العشرات من المستحضرات المتوافرة بالسوق الأميركية سواءً للكبار أو الأطفال على حدٍ سواء تحتوي على مواد بترولية مسرطنة.. وأحياناً تزيد نسبتها على ضعفي النسبة المسموح بها من قِبل FDA.."، وأشار التقرير إلى الديوكسان كأحد هذه المركبات.
كيف نتجنب المنتجات الملوثة بالديوكسان؟
من الصعب جداً على العملاء التعرف على وجود الديوكسان بالمنتج، ببساطة لأنه ليس أحد المكونات ولكنه يتواجد كمادة شائبة ثانوية في التركيبات، هذا يجعل الأمر أكثر إزعاجاً ولكن يمكن الاستدلال على احتمالات وجود الديوكسان في التركيبة بوجود بعض المكونات الأساسية في التركيبة مثل: الصوديوم لوريث سلفات، ومركبات البولي إيثيلين جليكول PEGs، ومركبات الأوليث Oleth، ومركبات سيتياريث Ceteareth وزينول Xynol وغيرها.
خلال إنتاج المواد الأولية يمكن التخلص من الدايوكسان عن طريق تبخّر الماء المتواجد؛ مما يؤدي لتطاير الديوكسان ومن ثم لا يكون هناك تخوف من المواد الأولية المشار إليه آنفاً، تتم تلك الطريقة بتسخين البوليمرات تحت ضغط منخفض، وتسمى هذه العملية Vaccum Stripping، وقد اعتمدت بعض الشركات العالمية الرائدة في صناعة مستحضرات العناية الشخصية، ومنها شركة "جونسون آن جونسون" هذه الطريقة؛ لضمان خلو منتجاتها من الديوكسان.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.