تل أبيب التي لنا!

بين مشارف يافا ونهايات تل أبيب هناك "مسجد حسن بيك" وهو مسجد "مُعجزة"؛ لأن الحي الذي يقع فيه المسجد وهو حي المنشية دُمر بالكامل ولم يبق منه شيء إلا المسجد، فقد بقي رغم كُل المحاولات لهدمه وحرقه والتي كانت آخرها قبل سنوات قليلة فقط،

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/19 الساعة 05:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/19 الساعة 05:37 بتوقيت غرينتش

من يعرف شواطئ تل ابيب، يعرف جيداً معنى أن ترى عربياً هُناك ويعرف أن مشهداً كهذا ليس تقليدياً أبداً هُناك، بل ويستحق "صورة" أحياناً وكأنها مُحرمة على العربي والفلسطيني، وحلال على الأميركي والألماني والياباني، إلا أيام العيد.. فلو زُرت "الكُورنيش" أو "التاييلت"، كما نقول بالعبريّة فلعلك لن ترى يهوداً بقدر ما سترى من العرب، ولو زُرت حدائق" جَني يهوشع" فستجدنا هناك أكثر وأكثر، وبقدر ما ينزعج بعض "الصهاينة" من مشاهدنا، إلا أن مشاهد كهذه لا يُمكن إلا أن تذكرنا بأن البلاد بلادنا.. فحتى تل أبيب لنا!

مُشكلتنا أننا نستسلم أحياناً، فنشعر أحياناً وكأن تل أبيب فعلاً ليست لنا، فنكتفي بمشاهد الشواطئ والفنادق الفاخرة، ولربما ننبهر بها ونمتدحها ونقبل أننا غُرباء فيها ولا نعود نجرؤ على التفكير بالبحث عن ذواتنا فيها، وفي تل أبيب الأمور مُعقدة أكثر من أي مكان آخر، فالمدينة لا تشبه نفسها أصلاً، فكيف لها أن تشبه فلسطينياً يبحث عن ذاته فيها؟

يكفيك أن تبتعد قليلاً عن اجتماعنا عند روائح الشواء الزكيّة عند "بارك جني يهوشع" والبحث عن بُقعة بديعة تُسمى "جريشة"، وجريشة هذه قرية من القرى الفلسطينية التي أقيمت على أنقاضها تل أبيب بعد تهجير سكانها، وبقدر ما هي قريبة من أكثر أماكن الشواء المُفضلة لدينا، إلا أن أغلبيتنا لم يسمعوا عنها ولم يعرفوا مع أنها جميلة وبديعة، وسُميت جريشة لأنها كانت تحتوي على طواحين يُجرش فيها القمح من خلال الطاقة المائية من نهر العوجا، هُناك في "جريشة" يُمكنك أن تجد نفسك في تل أبيب بشكل أسهل، لو تأملت الحجارة وحاولت أن تصغي للحجارة وهي تتكلم "العربية" مثلك تماماً!

عند "التاييلت" تجدنا نمشي ونمشي ولا نمل إلا قبل مقبرة "عبد النبي" بقليل، كأن شيئاً ما لا يُريدنا أن نراها مثلما نرى فندق الهيلتون الفخم، مع أننا لو صعدنا عند الفندق قليلاً، فسنجد مقاماً لولي من أولياء الله بين الفنادق وأمام المقام مقبرة قديمة لأهل يافا وقراها، المقبرة صغيرة جداً ومُهملة نوعاً ما وبعض القبور وضعها صعب جداً، أما المقام فقد أصبح مقراً لبعض المشردين ومع ذلك فالإهمال كفيل بأن يُذكرنا بإهمالنا لأنفسنا وكم نحن جهلة بحق أقرب الأماكن إلينا، فنحن بالكاد نعرف أن تل أبيب ليست "تل الربيع" فكيف لنا أن نعرف أن لنا فيها شيئاً؟

بين مشارف يافا ونهايات تل أبيب هناك "مسجد حسن بيك" وهو مسجد "مُعجزة"؛ لأن الحي الذي يقع فيه المسجد وهو حي المنشية دُمر بالكامل ولم يبق منه شيء إلا المسجد، فقد بقي رغم كُل المحاولات لهدمه وحرقه والتي كانت آخرها قبل سنوات قليلة فقط، إلا أنك لو دخلته ستجد حديقة صغيرة جميلة تشرح النفس عند المدخل وفي الساحة يكفيك تأمل جمال البناء العثماني ورقيّه أو لربما رُحت تُحاول تقرأ قصيدة شعرية بديعة نُقشت عند الأبواب.. هذه كلها تجعلك تعيش زخماً حضارياً لن تجده في تل أبيب!

قبل سنوات قليلة كانت هناك "فتحة مجاري" تستوقفني وتستهويني كلما زُرت مسجد حسن بك، كانت تلك أخطر فترة مجاري أراها في حياتي، وبالطبع لا أقصد الفتحة ذاتها ولكن المنقوش عليها، كان عليها نقش لشركة السكب الفلسطينية وهي شركة متخصصة في مجال تصنيع أجزاء الماتورات والأدوات الميكانيكية الأخرى كانت قبل 1948، هكذا فتحة مجاري وحدها تُجسد حكاية القضاء على المدن الفلسطينية والشركات والصناعات الفلسطينية والتي صوّرها المخرج رامز قزموز بشكل ذكي في فيلم "اغتيال المدينة" وفي أقل من 50 دقيقة!

هذه "الفتحة" لم تعد موجودة الآن أمام المسجد، ولكنني وجدت شبيهة لها في سوق الخردة في يافا في محل لتاجر يهودي أطلق على محلّه اسم: "فلسطين" ويبيع فتحة المجاري الفلسطينية بحوالي 400 دولار فقط!

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد