هناك الكثير من الكلمات التي فقدت مغزاها لكثرة تكرارها، أو ربما لسماعها من أشخاص غير مناسبين تماماً لقولها، أو ربما هم أشخاص لا تملؤهم الطاقة لكي تصل إليك، أو ربما يزعجك صوتهم، سواء الصوت الحنجري أو الصوت القلبي.
دعك من هذا كله، ولنعد إلى الكلمات، لماذا لم نعد نلتمع لما يُقال عن لذة الدعاء مثلاً؟ تعالَ لنسرح معاً.
ألم تجرب حقاً في أقصى مراحلك الروحية.. لنقل بعد انقضاء ليلة من ليالي القدر في مسجد إمامٍ شفيفٍ شفيع! ألا تغمرك لذة الذكر والدعاء؟! وهنا يا صديقي أتحدث عن طعم حقيقي ملموس، شيء تتذوقه كالشوكولاتة الآسرة التي تجلبها لمنزلك بعد إعلان باهظ التكاليف تقدمه صبية رائعة الجمال وقابلة للذوبان مع أول لقمة من الشوكولاتة اللذيذة.
ألم تجرب طعماً كهذا في لسانك يوماً؟!
طيب بلاش الدعاء، لسنا جميعاً نسّاك بيوت عبادة يا صديقي! ماذا عن الحب؟ ألم يكن أحدكم يوماً في مكالمة مغمورة مع الحبيب في الجانب الآخر من السماعة، وتذوّق شيئاً ما في لسانه، الكلام المعسول والرّشف الحلال والدلال لجرعات الغرام، من لم يتشوق إليها ويكف عن الطعام والشراب لأجلها، إننا يا صديقي أبناء عوالم لا نعلمها، أبناء كرامات نجهل إدراكها، فكيف تطلب من نفسك أن تدرك وجود الله فيما بعد؟!
لم يقل الله لك: ونفخت فيك من جسدي ولا من نفسي ولا من كلامي ولا من عقابي ولا من عذابي ولا من جنتي ولا من ناري؛ بل قال لك: ونفخت فيه من روحي!
حتى الموسيقى يا صديقي.. لماذا يتلبسك البكاء أو الغضب أو السمو أو القنوت أو السكوت أحياناً لمجرد سماع معزوفة لا تدري مَن صنعها ومَن نقّحها ومَن وزّعها وكيف وصلت إلى سمعك؟!
هكذا تجدها وصلتك على جناح غيمة، ثم بدأت تتناولها كقطعة عملاقة من (غزل البنات) المليء بالسكّر والفرح، ثم بدأت بالتعاطي معها كأنما اكتمل جزء مبتور من أعضائك.
أقول هذا الكلام بعد قراءتي لرواية إليزابيث إليزابيث جيلبرت "طعام.. صلاة.. حب"، أجد الحديث ملحّاً وأنا أجدها للمرة الثانية تصرّ على رأسي بأن أختار لغةً أترنم لسماعها وأتعلّمها، كما اختارت هي الإيطالية وتذوقتها معاً مع كلّ طبق إيطاليّ لذيذ، وذلك لتستعيد صحتها النفسية والروحية، لم تكن ليز تمزح عندما اختارت أن تجرّب لغة جديدة تحب تذوّقها من أجل النقاهة، فهي ذكرت أمر الكلمات في مرحلة حديثها عن الطعام ولا أجد ذلك صدفةً البتة.
أنا أقترح أن نبحث عن الله وعن أنفسنا في غير الكتب، لنجرب حاسة التذوق، وأخبرك يا صديقي في المرة القادمة عن حاسة الشم أو حاسة العطر كما أحب أن أسميها، إذا ما التقينا مجدداً.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.