يا ربّ أخرجني من غزة سالماً

لا تحكم على الشباب بعدم الوطنية إذا سمعتهم يناجون ربهم "يا رب أخرجني من غزة سالماً"، فليس من الشجاعة والزهد أن نحيا أعمارنا في حرب ونكد، وليس من الضروري أن نجلد ذواتنا حتى ننال رضا الرحمن والفوز بالجنة، لقد خلق الله الدنيا لنتمتع به

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/16 الساعة 05:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/16 الساعة 05:21 بتوقيت غرينتش

إذا استمعت إلى أحاديثنا نحن الشباب في قطاع غزة ستعلم ماذا فعل بنا الوطن؛ لكي نظهر بهذا البؤس والعجز مبكراً، فالوطن لا يوفر لنا وظائف عمل جيدة؛ والكهرباء تأتي لمدة ثماني أو ست ساعات متقطعة، وفرص السفر تكاد تكون معجزة، وسبل الترفيه تقتصر على الجلوس في أحد الكافيهات المحدودة.

لا أذكر مرة اجتمعت مع أصدقائي ولم نتحدث عن أصدقائنا الذين صارعوا من أجل الخروج من غزة؛ ليعيشوا ما تبقَّى من أعمارهم في راحة وأمان بعيداً عن الحرب والقتل، نشعر بالسعادة من أجلهم؛ لأنهم استطاعوا الخروج من عنق الزجاجة، لكن نتنهد في ذات الوقت، داعين الله أن تأتي فرصتنا للمغادرة قريباً، والتعرف على البلاد البارة بأبنائها التي نشاهدها من خلف شاشات هواتفنا الذكية فقط.

كل يوم يصر الوطن على قهرنا بأن يقلل من دائرة الأقارب والأصدقاء الذين يخففون من شدة وطأة الأيام علينا، ونصبح وحيدين في بلاد أمست باردة وخالية ممن نحب.

لقلة سبل الحياة أصبح لدينا متسع من التفكير، البعض يقوده التفكير إلى الإلحاد أو التشدد في الدين، والبعض يقوده إلى الجزم بأنه مصاب بعين الحسود، على سبيل المثال تتناول طعام العشاء مع صديقك، وفي الصباح تجده قد سافر من غير أن يخبرك خوفاً من عدم التوفيق في السفر، أو صديق ما يعلن لك خبر خطوبته التي تمت من قبل سبعة أشهر لكي لا تحسده، وبهذا ينضم الزواج إلى قائمة المعجزات في غزة، متناسين أنهم لم يفعلوا شيئاً يذكر ويستحق الحسد، فالحيوانات والنباتات تتزوج كل يوم، أصبحنا نفرح ونمارس الأشياء الجميلة في صمت، لكن إذا ما أصابتنا مصيبة نعلنها على الملأ؛ ليهب الجميع لمواساتنا، وكأن البلد ينقصه المزيد من الأخبار المحزنة.

لا تحكم على الشباب بعدم الوطنية إذا سمعتهم يناجون ربهم "يا رب أخرجني من غزة سالماً"، فليس من الشجاعة والزهد أن نحيا أعمارنا في حرب ونكد، وليس من الضروري أن نجلد ذواتنا حتى ننال رضا الرحمن والفوز بالجنة، لقد خلق الله الدنيا لنتمتع بها.

وطنيتنا بسيطة كتجاربنا في الحياة تدب بنا عندما نستمع إلى أغانينا التراثية، عندما نشجع متسابقاً فلسطينياً في أحد البرامج التلفزيونية للموهوبين، وعندما تبدأ مشاعر الحنين والصراع تسيطر علينا إذا قررنا الرحيل.

بالرغم من الحصار والملل نسعى ما استطعنا سبيلاً للحياة لكي لا نقهر مرتين؛ مرة عندما لم نعِش حياتنا، ومرة عندما نتذكر أننا ساعدنا في إضاعتها.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد