حوالي واحدة من بين كل خمس نساء تُصاب بمرضٍ عقلي خلال فترة الحمل أو في العام الأول بعد الولادة. وكذلك تزيد احتمالية انتكاسة النساء اللاتي كن مصاباتٍ بأمراضٍ عقلية في الماضي خلال فترة الحمل، وخاصةً إن توقفن عن تناول أدويتهن. الشيء المقلق بشأن هذا الأمر هو أنَّ عدد حالات الانتحار بين الأمهات لم يتغير منذ عام 2003، وما زال الانتحار هو السبب الرئيسي للوفيات بين الأمهات في المملكة المتحدة في العام الأول بعد الولادة.
ورُغم هذه الأرقام المخيفة، فإنَّ خدمات الصحة النفسية والعقلية المتخصصة في فترة الولادة غير متوفرة لحوالي نصف النساء الحوامل والأمهات الجُدُد في المملكة المتحدة. واعتبرت الحكومة البريطانية مؤخراً الصحة العقلية والنفسية أولويةً قومية، مما يتيح لنا فرصةً ذهبية لتحسين الرعاية التي نقدمها فيما يتعلق بهذا الأمر.
وهذا الأسبوع، أعلنت الكلية الملكية لأطباء التوليد وأمراض النساء في بريطانيا، بدعمٍ من تحالف الصحة النفسية للأمهات، نتائج استطلاع رأي أجرته الكلية، تحدثت فيه أكثر من 2300 امرأة عن صحتهن النفسية خلال وبعد فترة الحمل.
قدمت نتائج الاستطلاع صورةً واضحة عن تعامل هيئة الخدمة الصحية الوطنية البريطانية مع تلك المشكلة، وخذلانها في الفترة الحالية لبعض النساء الأكثر ضعفاً في المجتمع.
أوضحت النتائج أنَّ حوالي 7% فقط من الأمهات اللاتي قلن إنَّهن يعانين من مشاكل متعلقة بالصحة النفسية في فترة الحمل والولادة تمت إحالتهن إلى المتخصصين، وأنَّه بالنسبة لـ38% من هؤلاء النساء اللاتي تمت إحالتهن استغرق الأمر أكثر من 4 أسابيع حتى تم توقيع الكشف عليهن، واضطر بعضهن الانتظار لعامٍ كامل لتلقِّي العلاج. وكانت الرعاية المقدَّمة متباينة بشكلٍ كبير بين المناطق المختلفة، إذ كان الفرق بين معدلات إحالة النساء المريضات حوالي 20% في بعض المناطق، وكذلك تباينت نوعية الرعاية المقدمة، ففي إحدى المناطق تمت إحالة 8% فقط من النساء إلى خدمات الرعاية الصحية الخاصة بالصحة النفسية في فترة الولادة، بينما وصلت هذه النسبة إلى 50% في منطقةٍ أخرى.
ما كان مدهشاً أكثر بالنسبة إليّ هو مدى التباين في المعلومات، والسلوك، والرعاية التي حظيت بها هؤلاء النساء؛ إذ ذكرت النساء أنَّهن تلقين في كثيرٍ من الأحيان معلوماتٍ ونصائح متضاربة فيما يتعلق بالاستمرار في تعاطي أدوية علاج حالاتهن النفسية، أو التوقف عن تناولها، أو تغييرها. وكانت الرعاية اللازمة تُقدَّم لهؤلاء النساء بشكلٍ متعجل، ولم يكن يُسمَع للنساء اللاتي يعبرن عن قلقهن من جودة الرعاية المُقدَّمة، واضطر بعضهن إلى طلب المساعدة عدة مرات.
وبما أنَّ قضية الصحة العقلية محاطة بالفعل بالكثير من سوء الفهم، ويُنظَر إليها كوصمة عار في المجتمع، فإنَّه من المحزن أن يتسبَّب المتخصصون وخدمات الصحة النفسية المتوفرة لتقديم الرعاية لهؤلاء النساء في زيادة آلامهن.
يجب أن نواجه تلك الوصمة الاجتماعية المتعلقة بالصحة النفسية. إذ عبَّرت لنا الكثير من النساء عن خوفهن من النظر إليهنَّ كأمهاتٍ سيئات، وأن يُؤخَذ منهن أطفالهن نتيجةً لذلك.
يجبر المجتمع هؤلاء النساء كثيراً على الشعور بالذنب، وبأنَّهن لسن أمهاتٍ جيدات. وقالت بعضهن إنَّه يُضغَط عليهن لإرضاع أطفالهن بشكلٍ طبيعي، حتى حين لا يمتلكن القدرة الجسدية لفعل ذلك. لكن بالطبع لا أحد كامل، وكمجتمع نحتاج إلى تدعيم تلك الرسالة بشكلٍ مستمر. ونظراً لأنَّ مشاكل الصحة النفسية من الممكن أن تنتقل للأطفال، يجب أن نشجع النساء على الحديث عن مشاكلهن، ولكنَّ تلك الوصمة الاجتماعية تمنع ذلك حالياً. لا تستحق أية امرأة أن تعاني في صمت بهذا الشكل.
يجب أن نتعامل مع الصحة العقلية والنفسية بنفس الاهتمام الذي نوليه للصحة الجسدية؛ إذ لا يجب إهمال أيٍ منهما، أو النظر إليهما بمعزلٍ عن بعضهما البعض، بالإضافة إلى ذلك، لا يجب أن يكون الإحراج بشأن هذه المحظورات، أو الأمور الموصومة اجتماعياً بهذا الشكل، عائقاً أمام تمتُّع المرأة بصحةٍ أفضل. ويجب أن نعامل النساء ككائنات مفردة مستقلة، وليس كمرض أو عَرَض، كما يجب أن نشجع متخصصي الرعاية الصحية على انتهاج مقاربة حياتية كلية شاملة أثناء تقديمهم لخدمات الرعاية الصحية للنساء.
عادةً ما يكون متخصصو الرعاية الصحية هم الجهة الأولى التي تتواصل معها أية امرأة تعاني من مشاكل متعلقة بصحتها النفسية. وهي تفعل ذلك لطلب المساعدة. وإن كانت الجهة التي تقدم تلك الرعاية الصحية تفتقر إلى المهارات والتدريب اللازمين لتشخيص المشكلة والتعامل معها، أو إن كان لا يمكنها تقبُّل حصول المرأة على الرعاية اللازمة من الجهات المناسبة، ستشعر المرأة بالخذلان، ومن غير المرجح حينها أن تلجأ تلك المرأة لأية جهة أخرى طلباً للمساعدة.
ولهذا، من المهم لجميع متخصصي الرعاية الصحية المسؤولين عن رعاية النساء خلال فترة الحمل وفي العام الأول بعد الولادة أن يمتلكوا التدريب والمعرفة المتعلقة بالصحة العقلية في فترة الولادة. ويجب أن يكون دورنا هو تمكين المرأة بشكلٍ متزايد لاتخاذ القرارات بشأن الرعاية الصحية التي تتلقَّاها، ودعم النساء لمساعدة أنفسهن. وفقط من خلال الاستماع لهؤلاء النساء يمكننا التعلم من خبراتهن، واتخاذ الإجراءات العاجلة المطلوبة لتحسين الخدمات التي نقدمها.
– هذه التدوينة مترجمة عن النسخة البريطانية لهافينغتون بوست. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.