الشغف هاجس الغيورين على إسعاد ذواتهم والباحثين عن المعنى الحقيقي لحياتهم، وسبب الاصطدام مع محيطهم وواقعهم حين يتعلق الأمر بربط الوظيفة بالشغف!
أنت ترى أن موعد لقائك بشغفك قريب، وهم يرونه بعيداً صعب المنال؛ لأن الكل يود الاطمئنان على مستقبلك؛ قلوب الأحبة.. وعقول المتطفلين، أولئك الذين لا يكفون عن السؤال: هل من جديد؟ هل حصلت على وظيفة بعد التخرج؟ ماذا تنتظر؟ اقبل بأي وظيفة الآن وبعدها ستجد ما تبحث عنه (باستهزاء)، وهم بطبيعة الأمر لا يعرفون شيئاً عن "فترة الاستجمام الروحي والبحث عن الذات والشغف".
فتجد نفسك تحاول البحث عن أي شيء يلهيهم عنك، وفي نفس الوقت تبحث عنك بداخلك، عما يستحق جهدك ووقتك، عقلك وروحك، عما يحق له أن يكون مصدر عيشك وسعادتك في نفس الوقت، عما يجعلك تنهض قافزاً من سريرك كل صباح، عما يخرج منك كل الحب والطاقة.. لا تقلق سوف ينعتونك بالتكبر والكسل، وأحياناً بالجنون! ضع كل ذلك جانباً، ولا تحاول إخبارهم بالقصة الكاملة، لا تحاول إخبارهم بأن الحافز المادي لا يتصدر قائمة أولوياتك وأنك تستطيع تدبير أمرك بوظائف مؤقتة وغير مُلزِمة، شَوِّقهم قليلاً، أو كثيراً، اصنع ما تشاء.
أما الشغف، فأنا لا أعني فقط الأشكال الإبداعية والفنية بشكل حصري، ولكن كل نشاط أو عمل مدر للدخل المادي، ولكنك تمارسه بحب وسعادة.. فنجد محللين ماليين، موظفين حكوميين، حاضنات أطفال وغيرهم الكثير، جد شغوفين بوظائفهم، بل تجدهم متطوعين أو ممارسين أحراراً لنفس الوظائف حتى بعد تقاعدهم من شدة الشغف؛ لأنهم وجدوا ما يحسون فيه بتطابق أقصى بين ذواتهم ورسائلهم في الحياة وبين ما تمليه عليهم وظائفهم من التزامات وأنشطة، وجدوا ما يلهيهم عن أي بحث آخر، وجدوا العمل.. الشغف!
في حقيقة الأمر لا يمكن إنكار صعوبة كل هذا، خاصة في دول العالم الثالث، حيث الحصول على وظيفة يعتبر أهم مرحلة بعد الحصول على الشهادة الجامعية، وحيث لا اعتراف حقيقي بأهمية البحث عن الذات والشغف، عن الأولويات ومعرفة فلسفة الحياة الخاصة بك، عن مدى استمرار الرغبة في الاشتغال بنفس مجال الدراسة، أو أنك تود تغيير مسارك المهني بشكل جذري، وأحياناً صادم، وهذا موضوع آخر يقودنا نحو معضلة التوجيه التي يعاني منها غالبية شباب هذه الدول، دول حيث الكثير من المصممين، والأدباء، والفنانين وغيرهم، يعتبرون هواة أو عاطلين عن العمل؛ لأنهم ليسوا بأطباء ولا مهندسين ولا يزاولون أي مهنة من مهن الألفية الثانية، وهي مهن لا يمكن أبداً للإنسانية أن تتخلى عنها بشكل كلي، ولكن قد حان الوقت للاعتراف أيضاً بمهن الألفية الثالثة التي صاحبت الثورة التكنولوجية الحديثة، والتي بدورها قادت لثورة مقاولاتية يرتكز ثوارها على الشغف، الإبداع وحاسوب!
نحن في عالم يحتاج لجميع الوظائف، التقليدية منها والحديثة، عالم بحاجة لشبابه المبدع والشغوف الذي يسعى لتطوير واقع ومستقبل الإنسانية من خلال تطوير نفسه وإرضاء ذاته.. فالثورة التكنولوجية والمقاولاتية لم تأتِ وحيدة، بل حملت معها فكراً جديداً وأسلوب حياة يعتمد على الحرية في اختيار.. الحياة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.