في الحياة هناك دائماً حوار (أفضّل أن أسميه حواراً وليس صراعاً) بين النقيضَين؛ بين الخير والشر، بين الحياة والموت، بين الأبيض والأسود، بين الجميل والقبيح، بين الحقيقة والخيال، بين الوحدة والألفة، بين الأنا والغير فلماذا نحب؟ وما هو نقيض الحب؟
نحب لأنها فطرة فُطرنا عليها، أحببنا والدتنا منذ اليوم الذي وضعتنا فيه لنرى نور الحياة، أحببناها؛ لأنها أرضعتنا؛ لأنها حضنتنا؛ لأنها آوتنا من الخوف، وما زلنا نحبها؛ لأنها ذلك الحضن الدافئ الذي نحتمي به من ظلمات الدنيا، والملجأ الذي نلجأ إليه عند انسداد كل الأبواب التي نطرقها.
لكن حبها يتوقف للحظة، ليس ليندثر لا بل ليصبح غير كافٍ..
أحببناها في بادئ ذي بدء؛ لأننا كنا نعرف أنفسنا من خلالها، ثديها كان يعني لنا أننا أحياء، كلامها كان يعني لنا أننا نملك وعياً، وحنانها لطالما عنى أننا مميزون، وأننا مرغوب بنا على الأقل من طرف شخص واحد.
مع مرور الوقت وبلوغنا سناً نشاهد فيها غيراً غير ذلك الغير الذي اعتدنا عليه، يتولد داخلنا إحساس غريب، إحساس بالوحدة، إحساس يدفعنا إلى البحث عن ذلك الحب، ذاك الحب النقي الطاهر الذي منحنا إياه ذلك الثدي في شكل آخر، فتبدأ رحلة المعاناة.
هناك من يريد أن يقنع نفسه بأنه لا يحتاج إلى الحب ليعيش، ويقول إنني مكتفٍ بهذا القدر، مكتفٍ بنفسي، فهي تمنحني الأمان والسعادة والسكون وراحة البال وهو أول مَن يعلم وأكثر من يعرف أنه: لا يعرف نفسه إلا من خلال غيره وغيره هو الحب كيفما كان ذلك الغير، إنساناً، هواية أو شيئاً آخر.
لكل من يعتقد أن لا نفع للحب في الحياة، وأنه يعيش حياة هنية مع نفسه، أريد أن أطرح عليك سؤالاً واحداً:
هل جلست مع نفسك للحظة؟ هل أفرغت كل ما في ذهنك من انشغالات بالحياة الدنيا المارة ونسيت كل همومك وأحزانك، كل أحلامك وآمالك وجلست للحظة مع نفسك؟ أتعرف هذه النفس؟ أتبحث عما تريد؟ أم تهرب من هذا الحوار؟ وتهرب من هذه النفس ببحثك عن أي شيء يلهيها ويبعدها عنك إلى حين؟
إن أردت أن تعرف أي الأمرين ترتاح له أكثر أن تحب أو أن تجلس وحيداً مع نفسك دون حب، اسأل نفسك هذا السؤال:
هل أعيش اليوم من أجل اليوم ولا يهمني الغد في شيء؟ أو أنني أعيش من أجل غد أرسمه في أحلامي ولو كان بعيداً عني بُعد المشرق عن المغرب؟
إن كنت تعيش اليوم من أجل اليوم فأنت تحتاج إلى الحب لتفكر في الغد، وما عيشك اليوم من أجل اليوم إلا وسيلة للهروب من الغد، للهروب من النفس، للهروب من الحب، للهروب من الحقيقة أياً كانت هذه هي الحقيقة، أما الاستقلال وراحة البال فهي بريئة منك براءة الذئب من دم يوسف.
أما إن كنت ترسم كل يوم حلماً للغد، وتعيش اللحظة ليس فقط من أجل هذه اللحظة بل من أجل اللحظات القادمة والأيام القادمة، فطوبى لك أنك حبيب ولهان.
لماذا نحب؟ نحب لأنها فطرة تجري في عروقنا منذ اليوم الأول، نحب لأننا منقوصون من دون الغير، نحب لأننا نبحث دائماً عن الكمال ووحدنا لن نصل أبداً لهذا الكمال، فمهما بلغت درجات حبك لنفسك لن تقول يوماً: أنا كامل وغير منقوص، هناك دائماً شيء تبحث عنه لتكتمل، ذلك الشيء لن تجده أبداً في نفسك وسوف تجده في الغير، يمكنك أن تعشق نفسك وتبالغ في حب الذات وإيهام ذاتك بالاستقلالية لكن في أعماقك ستقول دائماً: أنا منقوص، ذلك النقص ستجده في غيرك، في الشخص الذي تحب أو الشيء الذي تحب، ذاك النقيض الذي إن اجتمعت به كوّنتما الكمال، ذلك الكمال الذي كنت تكونه عندما فتحت عينيك لتجد نفسك ترضع ثدي والدتك.
نحب؛ لأننا نريد الكمال؛ لأننا إنسان منقوص، لكن مع النقيض نصبح إنساناً كاملاً، ومن دونه فالكمال لا وجود له بل هو وهم نعيش فيه.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.