مفترشة الرمال، تحت خيوط الشمس الدافئة وقوقعات البحر المتناثرة حولي، ومن حولي صبية يلهون بفرح، وليس ببعيد عني يوجد سرب من اللقالق تختفي وتظهر بين الفينة والأخرى، بينما أنا أجلس وحيدة كصوفي في معاريج الآلهة…متمعنة في الكون بين الوجود والعدم.
جلس جنبي فجأة، تسمرت مكاني مستغربة وهو ينادي أختي، أشحت بنظري إلى البحر محاولة تجاهله وأنا أراقب أمواج البحر تداعب خصلات شعري….
ينادي مرة أخرى أنا لا أريد شيئا أرجوك أن تسمعيني…، أسرق نظرة خاطفة لعينيه، اعتقادا مني أن العينان هما بئر أسرار الإنسان، ليترائ لي الكم الهائل من الحزن الذي تختصره حدقات عينيه البنية، أشيح بنظري لجهة الآخرى محاورة نفسي.. أهو لص ؟ لا أظن ذلك ؟؟ هل عرف أني غريبة، وأني لا أنتمي لهذه المدينة ؟؟
نحن غالبا ما نحكم على الناس من خلال مظاهرهم، وغالبا من نستبق أحكامنا السلبية التي نكون بها قضاة على غيرنا من دون أن نعرفهم، نحكم على الأشخاص من نوع الماركات القماش التي يقتنونها، ومن خلال العطور الفرنسية الأصل التي يضعونها، أو من خلال سيارتهم الفاهرة التي يركبونها…لا أحد يسأل عن الروح والجوهر هل هو أصلي أم قابل لصدء بسرعة…؟ ولا أنفي أن قلة هم من يهتمون بالفكر والروح كمادة أساسية قبل إطلاق أحكامهم، ويتبنون في الحياة مبدأ الفيلسوف سقراط "تكلم حتى أراك ".
يقاطع أفكاري مرة آخرى مناديا،، أختى…، ما أجمل أختى من غريب يفيض احتراما، تترتسم على محياة ابتسامة لتترأى لي أسنانه الغير المتراصة، المصفرة اللون قليلا، أمعن النظر جيدا هذه المرة، إنه شاب في العشرينات أو الثلاتينات لا أكاد أجزم عمره……طويل القامة، ذا بشرة سمراء، عيناه عميقتان، ذا ندبة في جبينه.
أختى أنا لست بسارق لا تخافي، وأيضا لا أريد مجاملتك.أجيبه متسرعة والخوف يعتريني إذن ما تريد ؟؟ أنا لا أعرفك..محاورة نفسي مرة آخرى أيعقل أنه يقرأ أفكاري. وأنا على حالي أولي وجهي البحر لتداعبه الرياح مرة أخرى، لا يهمني ما سيقوله أي كان..، تعتريني الأنانية، ما دخلي أنا ؟ بعد أربع ساعات من الآن حين يحين موعد سفري سأمضي في سبيلي…، وكلماته تمر واحدة تلو الآخر على مسامعي، مسترسلا في الحديث دون إذن مني، يحكي: لقد ذهبت إليها طرقت الباب، وكل أمل أن تحضنني لكنها طردتني دون رحمة أو شفقة، لوهلة ضننته يحكي عن حبيبته أو شيء من هذا القبيل… لكن سرعان ما أتلف كل حسابات الفكرية، وهو يحكي لقد قالت لي ارحل أنت ميت بالنسبة لي، أترجاها أرجوك أمي وأخبرها أني سامحتها لكنها دفعتني خارجا، قلبها لم يحن ولو لحظة….
لا أعرف ما الذي ذهاني علقت غصة بحلقي دون زحزحة…
وهو يكمل بقية القصة، لقد كانت أمي بالديار الإسبانية، وقد عادت لتوها وذهبت إليها، لكنها لا تريديني.. مرتبكا كلماته غير مرتبة لكنها صادقة حتما.
لقد أنجبتني في عز طيشها، لا أدري من يكون أبي ؟ وتركتني في بيت جدتي، كل أبناء الجيران كان يسبونني بأمي وأبي الذي أجهله لحدود الساعة، لكني لم أعرهم إنتباها يوما، كنت مجدا في دراستي وأنا الآن أعمل الآن بمدينة الداخلة في قطاع الصيد البحري، لقد أخدت إجازة عمل في هذا الوقت بالذات الذي يصادف قدوم أمي إلى المغرب… مند 25 سنة لم أراها، صورتها الصغيرة في محفظتي مند صغري…لكن الآن لدي رغبة في تمزيقها، خصوصا بعدما ذهبت إليها ولم تقبل رؤية، لقد طردتني، ما ذنبي أنا..لقد سامحتها على كل شيء أذنبت فيه، لكن هي الأن لديها عائلة ولا تريدني في حياتها.أو ربما تظن أني أريد منها شيء، لم تكلف نفسها حتى بالسؤال كيف أمضيت الخمس والعشرين سنة دونها ؟؟؟ حملت حالي ورحلت عن المدينة.. دون أسئلة لأجوبتي، يقولها مدمع العينين، مملوءا بالألم والخيبة.
لماذا نقصف بالدموع عندما يملأنا الحزن، لست أدري لما ارتسمت على وجهي تلك الدمعة أنا الآخرى..
محاولة أن أمده بكلمات تبعث الأمل، لكن يبدو عليه العلياء حتى فحزنه، ابتسم ورحل فجأة…،
لقد جاءها يحبو على مسار الشوق إليها، متكبدا عناء السفر ومشاقه، ورحل عنها خائبا.
لما أيها الغريب ألقيت بهمومك علي ورحلت ؟ أتسأل ما كان آسمك ؟ لا أعرف عنك شيء، تخطفني الذاكرة إليك كلما رأيت شاب برفقة أمه، متسائلة هل تكون أمنيتك الصغيرة في أن تعانق أمك قد تحققت ؟ أم لا تزال أمك تعاني فقدان الضمير مع البصيرة.
ربما من الصعب جدا ألا تحزن، ﻷنك في الدنيا، والدنيا كتب علينا فيها الشقاء، لكن ربما من الصعب أن تصف مشاعر اﻷلم في عويل الصمت، أو ربما تكون أحيانا أمنياتنا صغيرة وحقيرة لدرجة أنها لا تتحقق، غريبة هي الحياة حين نغوس في دروبها، تجد من يحلم بروح براءة يفعل المستحيل ﻷجلها لكنها لا تكون من نصيبه، وآخر يفكر في كيفية التخلص من روح براءة غير مدركة قيمتها، نحن لا ندرك قيمة الأشياء التي نمتلك حتى نفقدها..هكذا هي الحياة مد وجزر في بين فرح وحزن.لكن القناعة بما نملك تبقى أسمى حالات النضج، ونفيض طموحا في غد أفضل.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.