“صراحة” بصراحة

لطالما فاجأتنا التكنولوجيا اليوم ببرامج وتطبيقات كثيرة فيها الغث والسمين، وفيها السلاح ذو الحدين، ثم يختلف الناس في درجة الانغماس فيها، وعيش حياة اللاوعي والإدراك، فيبزغ نجم أحدها مؤذناً بزوال الآخر وأفوله، ويظل الصراع هكذا على أشده

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/03 الساعة 02:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/03 الساعة 02:26 بتوقيت غرينتش

لطالما فاجأتنا التكنولوجيا اليوم ببرامج وتطبيقات كثيرة فيها الغث والسمين، وفيها السلاح ذو الحدين، ثم يختلف الناس في درجة الانغماس فيها، وعيش حياة اللاوعي والإدراك، فيبزغ نجم أحدها مؤذناً بزوال الآخر وأفوله، ويظل الصراع هكذا على أشده، وبين هذا وذاك نكون نحن الضحية دائماً، ونحن الزبون الذي يختار ما يضره، ونحن البضاعة المزجاة، لعل آخر البرامج برنامج "بصراحة" الذي تلقفته العيون والقلوب وكأنه طوق النجاة، في حين أنه لم يكن سوى نافذة من الجحيم وورطة أخرى، وبعد زوال فتنة الانبهار عدنا لنعيش حياة الشكوك والأوهام، فمعظم الناس بدأوا يتلقون التهديدات، سواء في حياتهم الاجتماعية أو الوظيفية، وحتى العاطفية، بدأت تصلهم رسائل من قِبل مجهولين لا أحد يدرك إن كانوا صادقين أم حاقدين أو حتى بطالين، كل همهم هو الإزعاج الذي بات السمة الظاهرة لمعظم وسائل التواصل.

هل كنا حقاً بحاجة إلى مثل هذا؟ هل كنا بحاجة إلى أن تصلنا رسائل عن ماضي أحبتنا وتاريخهم "لقد كانت زوجتك على علاقة بي ولم أنسَها بعد"، أنت إنسان فاشل ولا تصلح لرعاية قطيع أحرى أن تكون مديراً لمؤسسة بهذا الحجم "أنت فاسقة ماجنة عليك لعنة الله"، لماذا كل هذا؟ ولماذا نصل إلى مرحلة الاختباء وراء المجاهيل.. كل هذا لأننا جعلنا أنفسنا فوق النقد وفوق النصح، ولم نجلس على طاولة الصراحة نحن وأنفسنا فقط، ونصارح ونقوم وننتقد البناء من الداخل والنفس من الأساس الذي هو نحن قبل أن نطلب ذلك من الصديق، ورغم أن معظم الباحثين يشير إلى أن موقع صراحة يعد من أسوأ المواقع كونه يزيد الصدمات والانهيار النفسي والقلق الدائم، وأولها ما فائدة أن أعرف أن هناك مَن يحبني دون أدنى خيط للوصول إليه؟

كيف ستكون حياتي وحالتي إذا بدا أحدهم وهو يحقد عليَّ ويكرهني حد الموت دون أن أعرف مَن هو؟ ودون أن أستطيع أن أجعل حداً لذلك الكره والحقد كأن أسعى للصلح معه وإرضائه.. لماذا نعيش كل هذا العبث اللامتناهي؟ هل كنا فعلاً بحاجة إليه بصراحة؟ أن نقبع وراء الأقنعة؟ ما من شعور أسوأ من أن نعيش واقعاً غير الذي نعيشه.. كان الأجدر بنا أن نعرف أن نفوسنا تظل نفوساً بشرية تخطئ وتصيب، تتألم كي تتعلم أن تراقب الله أولاً قبل أن تراقب عيون البشر، تأخذ بيد الصديق لتدله على الطريق دون الحاجة للف أو دوران.. لماذا نظل دوماً نبتعد شيئاً فشيئاً عن الواقع لنعيش بمثالية حالمة؟ قلها لنفسك بصراحة، وكن أنت كما تريد، فلست بحاجة إلى صراحة أكثر من أن تصارح نفسك، وتعرف مواطن الخير فتزيدها،

وتعرف مواطن الشر فتنقذ نفسك منها، ودعك منهم ومن صراحتهم التي هي كالوكاء المثقوب يتسع ثقبه حيناً بعد حين، ولو كانوا صادقين لما لجأوا إلى الاختفاء وتركك حيران في الأرض، بل لأتوا إليك محبين ناصحين ومؤتمنين على قلبك، يرددون عبارات الحب والغزل والوفاء لك وجهاً لوجه، ولن يحرموك من لذة معرفتهم أنهم هم من قال ذلك ويقوله.

ولن تفقد تقويمهم لاعوجاجك فهم يربتون على كتفك مساندين لك حاملين ثقل الأيام وحزنها معك لا شامتين ومحطمين لما تقيمه لنفسك من نجاح وما تقطعه في سبيل النجاح من الإنجاز، صارح نفسك وقل لها بصراحة، فيطيب عيشك، وتقر عينك، ولست ملزماً بكل ما تنتجه التكنولوجيا من تطبيقات، بل دعها للذين لديهم طموح باهت للمعالي، ينبهرون بما يعطى لهم اليوم، ثم ينصهرون فيه بعيداً عن الواقع، ثم يندثرون لا ذكر ومجد في الحياة، وسر أنت على الدرب، ولا تبالِ بالشامتين إن لم تنزلهم من قطار الحياة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد