هزَّني موتكم.. زوجة سلمان العودة وابنه!

هزني تخيُّل الموقف، رسمت الحادث في مخيلتي ابتداء من خروجكم من البيت حتى عودتهم جميعاً إليه إلا أنتم.. عودة مبتورة لأهم عضو في هذا البيت.. لنبع الأمان لأولئك الأطفال الصغار الذين لا شيء ولا أحد سيعوض وسيسد مكان أُمهم لا في البيت ولا في قلوبهم الغضة الطرية..

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/01 الساعة 02:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/01 الساعة 02:35 بتوقيت غرينتش

ماذا؟ مات؟ ماتت؟ كيف؟ متى؟ أين؟ جميعها أسئلة لا تسمن ولا تغني من جوع بعد وقوع القدر وتنفيذ حكم الله، لكنهم ماتوا.. زوجتك ماتت، وابنك مات، وأنت ستموت، وأنا سأموت، وجميع مَن أحبهم لا بل والذين لا أحبهم أيضاً سيموتون، لكن دون مواعظ ومحاضرات، أقول: لقد هزَّني موتكم زوجة سلمان العودة وابنه!

هزني تخيُّل الموقف، رسمت الحادث في مخيلتي ابتداء من خروجكم من البيت حتى عودتهم جميعاً إليه إلا أنتم.. عودة مبتورة لأهم عضو في هذا البيت.. لنبع الأمان لأولئك الأطفال الصغار الذين لا شيء ولا أحد سيعوض وسيسد مكان أُمهم لا في البيت ولا في قلوبهم الغضة الطرية.. عادوا ليدخلوا لغرفهم ولكلٍّ منهم ذكريات معكِ يحاول استرجاعها حتى يبكي بصمت على وسادته؛ كي لا يحرقوا قلب والدهم الذي قد أرهقه فراقك، والبنت دوماً رائحة أمها ورؤيتها تؤلم أضعافاً مضاعفة لمن حولها وخاصة والدها.

لا تدري من أين تبدأ في الحياة الجديدة؟ وكيف تتعامل مع الموقف؟ لكن ما أنت متيقن منه هو أن لله ما أخذ ولله ما أعطى، وأن الله قد أعطاك أيضاً تلك المشاعر الجياشة.. أستشعر داخلك ذاك الانفجار الصامت من الحزن والألم والخوف والصدمة لهذا الفراق المفاجئ.. لهذا الفراق الذي أتى دون سابق إنذار.. لهذا الفراق الذي كنتَ تعتقد أنك ستسبقها إليه. لكنها سبقتك بأمر الله.. وبعد أمر الله يتوقف اللسان عن الجدال، ويستسلم القلب لقضاء الله وقدره وتُرفع الأيدي بالدعاء لمن نحب كأكبر برهان على أننا قبلنا ابتلاء الله لنا، ونطلب منه العون في تجاوزه.

"ماما" ما عادت تقولها ابنتك ولا أحد من أولادك بعد الآن سيقولونها فقط إذا ما سألهم أحدهم: أين ماما؟.. وستكون الإجابة مختصرة كنظرة عيونهم البريئة المختصرة التي تتراقص فيها العبرات بصمت: ماما رحلت.

سنرحل ولن يبقى في هذه الدنيا شيء سوى إرادة الله.. لكن الرحيل صعب ومؤلم ومن خلقه هو من خلق لنا المشاعر كي نحزن ونفرح ونتألم ونرتاح.

فلنحزن قبل أن نتجاوز مرحلة الفراق، ولنعطِ الموقف حقه ولا نكتمه خجلاً.. فلنبكِ بأعلى صوت وحدنا في مكان لا يسمعنا فيه أحد سوى الله وجدران غرفنا.

فلنُغرق وسائدنا كلما مر شريط ذكرياتنا مع أحباء فارقونا، ولندعُ لهم ولنُفرغ شحنات الألم والحرقة واللوعة قبل أن تحرقنا إن ضغطنا عليها وحبسناها في جوفنا وقلوبنا.

سبحان من جعل مع العسر يسراً وبعد الليل نهاراً وبعد الدنيا آخرة! سبحان مَن هو أرحم بنا من أمهاتنا وأهلينا! سبحان من جعل الرحمة من أسمائه وأمرنا بالتراحم فيما بيننا! سبحان من أوفى الصابرين أجرهم بغير حساب لعظم هذا السلوك! أن تصبر أن تكون مستسلماً برضا تام لقضاء الله وأنت متيقن أن الله سيعوضك.
اللهم أبدلهم داراً خيراً من دارهم، وأهلاً خيراً من أهلهم، وصبّر أحباءهم.

عوضّك الله خيراً دكتور سلمان، وأفرغ عليك صبراً تذق بعده حلاوته، وترى من الله عوضه لك.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد