ما بين إرث محمول ومستجدات وافدة تبعاً لتغيّر أشكال الحياة ونمطها تتخلق بؤرة كبيرة تتسع كل حين، ويصطف فيها كثيرون آخرون.
كان الإرث متمثلاً في أمثال بسيطة، لكنها جامعة تصنع قاعدة كـ(ضِل راجل ولا ضِل حيطة) و(الراجل نعمة ولو كان أعمى)، أمثالٌ تضفي قداسة على أمر الزواج والارتباط، وجعل البحث عن رجل من المرتكزات في حياة الفتيات، خصوصاً في سن الارتباط.
ومستجدات تمثلت بدءاً من زيادة وعي النساء وتحقيق مزيد من الاستقلالية لها بعد أن بات الاستقلال المادي والاجتماعي أمراً ميسوراً للمرأة في المجتمعات العربية وغيرها، واعتلت المرأة في الآونة الأخيرة مراكز مختلفة، وغدت ذات قرار، بل ونازعت الرجل في أماكن عدة، وتجلت كفاءتها في أخرى، وثبت أن للمرأة عقلاً يضاهي الرجل حتى صنعت ما كان منذ عقدين من الزمان مستبعداً ومستحيلاً، إما لاعتقاد أنها لا طاقة لها على فعله أو لسطوة الإرث الرائي أن مهمة المرأة تبدأ وتنتهي في بيتها وزوجها وكفى.
ومع الانفتاح الذي تولَّد في الحقبة الأخيرة؛ حيث صار من البديهي أن تعمل المرأة إن كانت ترغب، تحقق المزيد من الاستقلالية لها، وأضحى من اليسير أن تعيل نفسها إضافة إلى الاستقلالية الاجتماعية، ومن زاوية أخرى ازدادت اضطرابات البيوت ومشاكل المتزوجين وارتفعت معدلات الطلاق بصورة فجة، خاصة في دول كلبنان مثلاً وفي مصر؛ إذ تحدث حالة طلاق كل ست دقائق طبقاً للإحصاءات، أضف إلى ذلك ازدياد طموح النساء والفتيات؛ إذ كثرت النماذج المجتمعية الناجحة، وخرجت المرأة للتعليم أولاً، فصار لها حرية العمل وتحقيق الذات وتفوقها على أقرانها الرجال، أضف إلى ذلك الفتيات الطموحات اللواتي يفضلن إما زوجاً من طراز يعينها على التقدم، وإما فلا مشكلة أن تبقى وحدها؛ إذ لا تستشعر أنها بحاجة لرجل.
كل هذه الأسباب تضعنا أمام حقيقة تتجلى يوماً بعد يوم، أن الفتيات العربيات بخاصة لم يعد يشغل بال كثير منهن الحاجة الملحَّة للارتباط والقبول بأي رجل يتقدم حتى لا يفوتها "قطار الزواج"، لم يعد مهماً أن يرحل أو أن يفوت؛ إذ ثمة قطارات أخرى ترغب بها الفتيات؛ قطار العمل أو الدراسة أو تحقيق نجاح في مجالات مختلفة.
نشرت جمعية تنظيم العلاقات الأسرية في مدينة سان باولو دراسة أكدت فيها أن 65% من نساء العالم يفضلن الوحدة على الارتباط بالرجل غير المناسب، وأضافت أيضاً أن النقاط التي تستند عليها المرأة في اختيار الوحدة هي الهامش الواسع من حرية الاختيار بين الزواج والعزوبية، 76% من اللواتي شملتهن استطلاعات الرأي يعتقدن أن الزواج ليس إجبارياً، وأنه بات من الممكن أن تعيش المرأة بمفردها إن رأت ذلك، وإن لم تعثر على الرجل المناسب، فلا ضير أن تكمل مسيرتها بمفردها دون أي منغِّصات.
هكذا صِرنا أمام واقع يواجهنا بأن الزواج لم يعد ذا مركزية لدى كثيرات، وأن الفتيات اللواتي ترسخ في عقولهن منذ الصغر حلم غايته رجل وحصان أبيض، صار لهن واقع جديد وأمانٍ تفوق "الفستان الأبيض والزفة"، وتجاوز إلى ثوب تخرج أو ريادة مجتمعية تحققها قد تضحي لأجلها بزوج وأحلام كانت يوماً أول الحياة ومنتهاها.