صناعة الانحطاط!

و"صناعة الانحطاط" في الوطن المكلوم المأزوم بتجار تلك الصناعة، تفشَّت وطغت على ما عداها وتجبرت وتوحشت واستأسدت في غير قوة بل هي مريضة واهمة، حتى استمرأت الاستهزاء بالدين والتجرؤ عليه، فباتت بيوت الله ومساجده هدفاً لنيران الأشاوس الجبناء في تدريباتهم، إرضاء للكارهين

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/01 الساعة 04:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/01 الساعة 04:08 بتوقيت غرينتش

كلنا نعرف أن الانحطاط سلوك، لكننا تأكدنا في حالة الوطن المأزوم، أن الانحطاط "صناعة" يديرها ويجيدها الجهلة والمدمرون والفاسدون والمأجورون والتافهون والخبثاء والحاقدون والكارهون وأصحاب القلوب المريضة، وعديمو الأخلاق، يدرون أو لا يدرون، يعلمون أو لا يعلمون، وهي صناعة رفضتها العقول السليمة الرصينة، ونهت عنها وحرَّمتها الديانات السماوية اللائقة بسلامة البشرية ونقائها، واعتبرتها صناعة مكروهة، بل هالكة للأخلاق وكارهة للعدالة، وملوثة للبيئة الإنسانية، ومدمرة للأوطان والكيانات المجتمعية.

و"صناعة الانحطاط" لا شكَّ أنها تأتي ضمن أمراض العقل أولاً عندما يصاب بالسلبية والخلل في التفكير وفي الإرادة السليمة، وفي طبيعة الأشياء ثانياً، وعندما تتملكه الهزيمة المطلقة، والفشل اللامحدود، فيتخلى عن منطق المعقول، ويهرب بإصرار إلى اللامعقول حتى يصبح الجميع فريسة لاستفحال المرض، ويسقطوا في وحل ومستنقع لا فكاك منه، وهي بكل تأكيد ضرب مهل، ورخيص لأسمى معاني الإنسانية!

و"صناعة الانحطاط" لها شواهد تدل عليها، فهي عند الأشرار من البشر، مصدر كينونتهم واستمرار بقائهم، ولهذا فهم يبتكرون ويبدعون ويتفننون كل لحظة في العمل على تمددها وانتشارها كأي فيروس قاتل للأخلاق، وداعم للهدم والتخلف والتدهور والانهيار.

ولأن "صناعة الانحطاط" رخيصة القيمة، فمقوماتها فهي تحتاج فقط لبيئة حاضنة متطابقة تنمو فيها طحالبها وفيروساتها، رغم التكلفة العالية التي يتكبدها صانعوها وهم نتاج جيناتها من أجل استمرار احتكارها ودباغة علامة "الجودة" خاصتهم عليها، ظناً منهم أن صناعتهم هي "فخر الصناعات"، وهم يروجون ويتساءلون مع أنفسهم، ولمَ لا؟! طالما أن المستهلكين أغلبهم أهل لها: عاملون وداعمون وآجرون ومأجورون.. ولا يشغلهم أن بينهم الكثير من الضحايا.

و"صناعة الانحطاط" في الوطن المكلوم المأزوم بتجار تلك الصناعة، تفشَّت وطغت على ما عداها وتجبرت وتوحشت واستأسدت في غير قوة بل هي مريضة واهمة، حتى استمرأت الاستهزاء بالدين والتجرؤ عليه، فباتت بيوت الله ومساجده هدفاً لنيران الأشاوس الجبناء في تدريباتهم، إرضاء للكارهين.
بل بارك الكارهون من كهنة الأديان العمومية، القتل وسفك الدماء، مانحين لأنفسهم ولغيرهم صك الدنيا والآخرة، فلم تهتز قلوبهم لطفل أحرقته نيران الحماة، ولا امرأة اخترق صدرها رصاص الغدر أمام طفلها، ولا شاب يشفع له أنه أنفع من المستبدين علماً، ولا عجوز ولا كبير احتضن كتاب الله أنساً من الرهبة والوحشة.
بل في تعظيم لـ"صناعة الانحطاط" تماهى معها تماماً الكذابون والمنفاقون حتى باتوا عباداً من غير عابد، ومملوكين من غير مالك، اختزلوا القوة في "رمز الحذاء" ظناً منهم أنها توفر الكرامة والتوقير للحامل والمحمول، بل أدمن آخرون التفاهة فصاروا أهلاً لها، وميَّز آخرون أنفسهم بأنهم شعبُ والآخرين شعب، لكنهم نسوا أنهم يستحقون الذلة والمهانة، ويستحق الآخرون الأنفة والعزة والمهابة.

والأسوأ في "صناعة الانحطاط" أن تتكسر وتنحط قواعد العلم وأساسياته، فيصبح "العلاج بالكفتة" كفيلاً بـ"علاج الإيدز"، بل تبجح أحد "عباقرة العار"، بأنه يستطيع أن ينتج "الأسمنت" من الأشجار" هكذا دون أدنى خجل، بل رأى الخبير الاستراتيجي أن الدولة المعادية لو أطلقت صواريخ فسترتد عليها "بفعل الرياح"، والمضحكات المبكيات في ذلك حدث ولا حرج، مستمرة ولا تقف عند حدود، تصيبنا بالهستيريا والهذيان حتى ندمع على وطن تألم شديداً حتى تكَسّرَتِ النّصالُ على النّصالِ!

ولأنها "صناعة تاريخية" مقوماتها الحماقة والغباء مدعومة بالاستبداد؛ لذا فقد أعيت مَن يداويها، وسكن صنّاعها الصفحة السوداء من التاريخ، ولم تسلم الأوطان من كوارثها، لا الأرض ولا العرض، ولا التاريخ ولا الحضارة ولا الجغرافيا، ولا الاقتصاد ولا السياسة ولا التعليم ولا الشباب ولا الرياضة ولا المرأة ولا التراث ولا الدين، ولا ثروتها الحقيقية من الإنسان، وانعدمت الأخلاق وأصبح الفساد سيداً وحامياً، وتملك إرادتها أصحاب المصالح وملوك الطوائف، فتراجعت، وتدهورت وانكسرت وانبطحت وخنعت وضعف وقارها، وهانت على الصغار هيبتها، فتجرأوا عليها وعلى شعوبها.. وتزيلت.

ولأن الداء عضال، فالدواء لا شك نادر وشحيح، فمن كانت مصيبته في الفشل وانحطاط الأخلاق، والصدق، والأمانة، والانضباط، فالثورة على فسادها لازمة، فبدونها تستمر صناعة الانحطاط تجارة رائجة طالما تحفظ للمستبدين والمستعمرين، والطامعين، والكارهين، كراسيهم ومصالحهم وثرواتهم ومطامعهم ونفوذهم.. وتبعية شعوبهم.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد