في دولة ديمقراطية، حين يتعرض مواطن منها لهجوم يوصف الهجوم بالإرهابي أو يصنف جريمة، في بلداننا، يوصف الهجوم بأنه "عذاب من الله".
في دولة ديمقراطية، حين يقتل مواطن في ملهى ليلي، أو ملهى خاص بالمثليين جنسيا، لن تجد من يشمت في القتيل لأنه قضى نحبه في ملهى، في بلداننا سيتخفى الجميع في ثوب الطهارة وسيلعنون الميت لأن روحه لم تصعد وهو "يجاهد الكفار" في سبيل الله.
في دولة ديمقراطية، حين يقضي أحدهم نحبه وهو سكران، لن تجدهم يكررون اذكروا أمواتكم بخير، لأنهم سيكونون منشغلين بخط أجمل عبارات الرثاء. في بلداننا، ستجدهم يتبادلون الفتاوى في جواز المشاركة في صلاة الجنازة هل من قضى سكرانا.
في دولة ديمقراطية، حين تغضب الطبيعة، فتندلع الحرائق، وتفيض البحار، وتعصف العواصف، وتضرب الأعاصير، يزرعون شجرة حتى يتذكروا أن الطبيعة غضبت يوما. في بلداننا، يسمون هذا "انتقاما من الله" لأن النساء خرجن للعمل.
في بلدي المغرب، نساء ورجال يكتبون على صفحاتهم على موقع فيسبوك عبارات شتائم ولعنات ليس على ذاك القاتل الذي دخل إلى ملهى في إسطنبول، وتجرد من انسانيته، ومد يده إلى جيبه، واخرج مسدسه، وجعله يفتك بعشرات الأرواح كل ذنبها أنها أتت إلى ذاك المكان لتفرح.
في بلدي المغرب، هؤلاء النساء والرجال، كتبوا لعناتهم وشتائمهم على ضحايا الملهى، فقط لانهما فتاتان، شابتان، جميلتان.
في بلدي المغرب، هؤلاء النساء والرجال، كتبوا اياتهم القرانية، ودعواتهم، ليس من أجل أن يرحم الله بعظمته قلوب أهل الضحيتين، بل أن ينتقم الله من القتيلتين فقط لان من كتب ما كتب يعتقد أن الفتاتين كانتا هناك من أجل "المتعة الحرام".
في بلدي المغرب، هؤلاء النساء والرجال، يحلمون ببلد تطبق فيه الشريعة، ويجهلون أن تطبيقها يعني أول من ستطبق عليهم هم أنفسهم، فالله حرم أن يقذف عباده، وأن تطبيق الشريعة يعني أن يجر كل هؤلاء الذين وصفوا القتيلتين بـ"العاهرتين"، سوف يجلدون إن لم يأتوا بأدلة تثبت أنهما كذلك.
في بلدي المغرب، هؤلاء النساء يحلمن بأن يعيش أبناؤهن في السويد، وهؤلاء الرجال يركضون من أجل عيون جنسية ألمانية، ويجهلون أن هذه بلدان ديمقراطية، وأن الديمقراطية تقول إنه عندما تقتل مواطنة في حادث شبيه بالذي وقع في ملهى إسطنبول، فإن المواطنين يتضامنون مع القتيلة، ويطالبون بمعاقبة القاتل، وأنك لن تجدأحدا يسأل: "ما الذي كانت تفعله في الملهى؟" لأنه بلد يحترم نساءه فيه قبل رجاله، ولأنه بلد يحترم فيه الانسان كيفما كانت عقيدته أو جنسه أو لونه، لذلك لن تجد أحدا يصف القتيلة بـ "العاهرة"، لأن حتى مهنتها كـ "عاملة جنس" لن تسقط عنها مواطنتها، ولا انسانيتها، ولا واجب الدولة في القصاص من القاتل حتى تنام روحها في سلام.
في بلدي المغرب، كل النساء عاهرات، حتى أمهاتنا عاهرات، ألا يشتموننا بأنها "أبناء وبنات العاهرة؟"…
المثقفة عاهرة لأنها تجادل، الكاتبة عاهرة لأنها تكتب عن الجنس مثلا، المغنية عاهرة لأنها لا تنشد فقط من أجل أجمل الخلق، العارضة عاهرة لأنها ترتدي حذاء بكعب عال تتمايل فيه، الممثلة عاهرة لأنها قبلت في مشهد البطل، الطبيبة عاهرة لأنها تبيت ليلا في المستشفى، حتى المعلمة التي اضطرتها ظروف العمل أن تترك مدينتها الى البادية وتتولى التدريس هناك، وتقطن وحيدة بالدوار، لا تسلم من رمي بالحجارة ليلا على مسكنها، ولا من شتائم ونظرات وقحة نهارا.
في بلدي المغرب، كلنا النساء عاهرات، محجبات كن أو متبرجات، متزوجات كن أو عازبات، مطلقات كن أو أرامل، أمهات كن أو عاقرات.
المرأة في بلدي المغرب ليست إلا عاهرة، لذلك لا تنزعجوا كثيرا وأنتم تقرأون تعليقات نساء ورجال حالمين بالرحيل إلى السويد، وهم يشتمون ويلعنون المغربيتين القتيلتين في هجوم ملهى إسطنبول، فهؤلاء ملائكة يبكون من أجل أطفال سوريا، وفلسطين، والعراق، وبورما فهم اخوتهم المسلمون حتى وهم يجهلون أين توجد بورما، وهؤلاء مؤمنون يطالبون بالدعاء بالرحمة لـ"المجاهدين" في "تنظيم الدولة" لان كل حلمهم ان يبنوا دولة الإسلام التي منعهم "الحكام الكفار" من اقامتها على اوطانهم، وهؤلاء مسامحون يغفرون للمغني الشعبي "سعيد الصنهاجي" انه تعرى، وسكر، فقط لأنه استجار برحمتهم وقال لهم"ارحموني وارحموا أولادي"، وهؤلاء متدينون لدرجة أنهم شتموا كل من طالبهم بان يذكروا أمواتهم بخير، وان يكفوا عن شتم القتيلتين.
لا تنزعجوا كثيرا ولا قليلا وانتم تقرأون هذه التعليقات، مادامت المرأة في بلدي المغرب حين يضايقها أحدهم تجيبه: "لا تضايقني فأنا امرأة الرجل"، وكأن من لا رجل لها تحق مضايقتها.
لا تنزعجوا كثيرا ولا قليلا، مادام الفنان يرى الفنانة عاهرة، والصحفي يرى الصحفية عاهرة، والطبيب يرى الطبيبة عاهرة، والمعلم يرى المعلمة عاهرة، والكاتب يرى الكاتبة عاهرة، لا تنزعجوا ففي بلدي المغرب لا فرق بين هؤلاء وبين زعيم الشباب" الشيخ سار" الذي يتبعه في قناته وحساباته الآلاف من الشباب يدينون بدينه، ويعلقون بناتا وأولادا على حائطه المشانق لكل من لا يروق لهم، وينهون تعليقاتهم "اللهم اخرجنا من المغرب إلى السويد".
لا تنزعجوا كثيرا ولا قليلا، فقد قالها ابن خلدون "ان كنت في المغرب فلا تستغرب"، غير ان مقولته تلك كانت لجميل كان، ولا احسبه كان يعتقد انه سيأتي يوم تخلد فيه مقولته، حين تكتشف انه فقط في المغرب يرفع شعار "كل النساء عاهرات الا أمي وأختي وزوجتي".
لذلك لا تنزعجوا كثيرا ولا قليلا… وحتى الدعاء بالرحمة للقتيلتين احتفظوا به، فقد نكون أحوج اليه من مغربيتين قتلهما القاتل مرة، ويقتلهما أبناء الوطن وبناته مرات ومرات.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.