لست بهاوٍ أو مدمن مشاهدة السينما، بل لم أزرها قط -تقريباً- ولست من ذلك النوع الذي يحفظ أسماء جميع الممثلين والمخرجين ومنتجي الأعمال السينمائية العالمية، أتابع ما يحلو لي من أفلام وحسب، أفتن بما هو غريب ومبتكر وحقيقي.
لم أهتم بتاتاً بالتاريخ، ولطالما تهربت من حضور حصص التاريخ في أيامي الدراسية، ولكن من بعد ما شاهدت فيلم (The Pianist) وما جاء على شاكلته قبله وبعده، أصبحت شغوفاً بكل الأحداث التاريخية، وحريصاً على معرفة أحداث لم أتصور بتاتاً أن أبحث عنها بهدف المعرفة، لا شيء سواه، خصوصاً أن التاريخ بعيد عن تخصصي وعن عملي، ولكن سحر الأعمال السينمائية العالمية مَن جعلني متعطشاً للبحث عما وراء القصص، وحفزني للسؤال والبحث.
ولم أكن من مهتمي السياسة ومتابعيها لو لم أحضر جميع أجزاء المسلسل الأميركي بيت الورق (House of Cards)، فنظرتي اختلفت لكل خبر سياسي أو حدث من بعده، لدرجة جعلتني أجزم بأن هذا المسلسل يجب أن يفرض على طلاب العلوم السياسية والإعلام لحضوره بدلاً من محاضرات الحفظ والتلقين.
نتعلم مبادئ الأخلاق، نبذ العنصرية، حب الآخرين، التعامل اللطيف مع الغير، طيلة سنوات تعليمنا المدرسي، ولكن أين نطبقها؟ باستثناء تطبيقها في ورقة الامتحان في حال ورد سؤال عنها، سرعان ما نتناساها، ونبتعد حتى عن تطبيق ولو جزء منها، وإن طبقناه، فإنما نطبقه بالاعتماد فقط على ما تعلمناه من آبائنا وتنشئتنا، وليس ما سمعناه في المدرسة.
ما ذكر أعلاه ليس فتنة بالأعمال الخارجية أو رياء لها، رغم إعجابي بها لكي لا ينتقدنا مَن هم ضد التنوع الثقافي والتأثير الغربي، ولكن لنأخذ على الأقل الأفلام، وهي الواجهة الجميلة لأي ثقافة والرسالة الأجمل، التي تعكس ما يريد صاحبها عنها، من منطلق تربوي، فليس من العدل أن نرفضها على العموم بحجة أنها توصل رسائل سلبية عن مجتمعاتنا أو ثقافتنا وتعكس الجانب الأفضل لهم، نعم ومن الطبيعي أن يكون لصناع السينما رسائل ليوصلوها للمشاهد ولكن هنالك الكثير من الأعمال العالمية الساحرة، والتي لا تقارن حفاظاً على بريقها مع أغلب الأعمال العربية، فهي تحمل الكثير من مظاهر الإبداع وتتنوع في المواضيع التي تتناولها بطريقة تجبر المشاهد على عمل مقارنة، واستنتاج، وفائدة، وتعديل سلوك في مراحل متقدمة أيضاً، بعكس الأعمال العربية -عدد منها- التي تتشارك بالموسيقى الصاخبة والرقص الشعبي والركاكة فقط.
الغرب مجَّدوا أبطالهم بأفلام جعلتنا نعشقهم، كرموا أساطيرهم بأعمال فنية جعلتنا نبحث عنهم ونذكرهم، سلطوا الضوء على معاناتهم عبر العصور أثرت بداخلنا لنتعاطف معهم، جمَّلوا تاريخهم، تباهوا في حاضرهم، وتوقعوا مستقبلهم.
أولياء الأمور.. جربوا اربطوا الأمور الحسنة مع الشخصيات التي يحبها أطفالكم، وتابعوا ردة فعلهم؟ أما المعلمون، اخرجوا عن النص قليلاً وشاهدوا أنتم وطلابكم عملاً سينمائياً وما أكثرها تتحدث عن أحد مواضيع دروسكم، سوف تجدونها إن بحثتم، كما سوف تجدون وقتاً لعرضها إن أردتم، وأنت عزيزي القارئ من منتقد ومؤيد، لطالما كان هنالك أعمال مبتذلة، احذروها كما يجب أن يحذرها أبناؤكم، وهنالك أعمال جديرة بأن نأخذ منها الكثير، فالسينما عالم أبعد من مجرد فيلم نتطلع لرؤية أبطاله فحسب.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.