لأنّ من استولى على رأس قاطرة الإعلام واختطف سيرها من بعد الثورة وفي غياب الحضور الشّعبي والمؤسّسات الوطنيّة الحقيقيّة واشتغال الحكومات المتلاحقة بتثبيت كراسيها وخدمة أحزابها هي أجندة محكمة المكوّنات والتنظيم، ولوبيّات موزّعة الأدوار يجتمع جلّها على هدف إرساء ثقافة التغريب، والإفساد الفكري والقطع مع هويّة ودين وتراث الشعب التونسي، كذلك لاستقطاب أكثر ما يمكن من الرأي العام والزجّ به، خصوصاً مع شريحته الشّبابيّة في دوائر من التمرّد على أصله وقِيمه ودينه، ومهما تنوّعت ماهية هذا الإعلام أو تلوّنت أو تشكّلت،
فإنها في مجملها تصبّ في ذات الخانة، وتسعى جاهدة – وبدفع مأجور ومقصود – لنفس الهدف ونفس الغاية، أيضاً كان هذا التوجّه الرديء لإعلامٍ أكثر رداءة ينصبّ مجتمعاً بكل وسائله الورقيّة والسّمعيّة البصريّة لغاية تأهيل هذا (التغريب المقصود)، والعمل على إدراجه وفرضه في عادات وسلوك التونسي.
هذا الإعلام احتلّه غالباً شخوص لا يؤمنون بالوطن ولا يقيمون وزناً للأخلاق، ولا تحكمهم القيم والعُرف، فضلاً عن أنّ منهم من يشعّ عُقداً وشذوذاً، فقط هم يأتمرون بالمال وبه يدينون وتحرّكهم المخططات الدنيئة، وحنينهم إلى ما مضى.
هذه هي الخطوط العريضة للنّسق الذي أراده هؤلاء المشبوهون للإعلام، فاقتسموا الأدوار والمهامّ، واجتهدوا لوضع خرائط طريق تتوازى مع ما تجود به الأحداث والمناسبات، ونصبوا لهذه الأهداف الدنيئة المراصد، ورابطوا عند كلّ ثنيّة ليستثمروا كلّ حدث وكلّ تصريح وكلّ كلمة للنّفخ في هيكلها وتضخيمها، وتلفيق ما قدروا على تلفيقه، ومنهم من ركب آلام ومآسي النّاس ليحوّلها إلى استثمار وسبْق وإبهار مجّاني، فاستعمل كل ما أمكنه مادياً وأدبيّاً ليصوّر هذه الآلام والمآسي ويصدّرها إعلامياً كأنّها أمر لازم وجزء من التركيبات الاجتماعيّة التونسيّة.
ومنهم من استعمل خيوطه التي حاكها وأسّس لها في النّزل والحانات ليلفّق الأقاويل ويركّب السيناريوهات لتجريم فلتان وتبرئة علان، وتوجيه الرأي العام نحو ما تمليه أجندات الردّة والانقلاب، وصرفهم عما يُحاك فعليّاً لهذا الشعب من داخل البلاد ومن خارجها، أيضاً منهم من احترف الاشتغال على بثّ المجون والفسق والانحلال الخلقي ونشر الرّذائل واجتهد معبّراً (عن ذاته وقناعاته) في التفنّن لاستنباط وترويج الإباحيّة والشذوذ الفكري والجسدي.
لكـــن ما تعرفه هذه الزّمرة الفاسدة المفسدة من أدعياء الإعلام والثقافة وتنكره أنّ الشعب التونسي غير الذي تروم تقديمه للعالم، وغير الذي تريده أن يكون، وأنّه تربة غير صالحة لسمومها وجاهليّتها، وأنّه مهما حاولوا مجتمعين غرس هذه الانحلالات، فإنهم لن يفلحوا أبداً لا مع عُمقه ولا مع ساحله ولا مع صغيره ولا كبيره، وسينقلب السّحر على السّاحر طال الزمان أم قصُر.
أمام هذا الخطّ الإعلامي الفاسد والمفسد، لا بد للمستنيرين وأهل القلم من أهل هذا البلد الطيّب أن يقفوا بلا هوادة، وفي تكاتف (بقلّة الإمكانات المتوفّرة) لفضح ونقض أكاذيب وتشويهات هذا الإعلام المتردّي، وأن يبيّنوا للنّاس خفايا أجنداته الفاسدة، أيضاً على عموم الشّعب أن يقاطعوا مفاسد هذا الإعلام، وأن يعلموا علم اليقين أنّه إعلام لا يَصلح ولا يُصلح، وأنّ الوطن وأهله آخر اهتماماته.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.