اليوم ونحن نرى صوراً من مأرب وهي قيد إعادة الإعمار والبناء نتساءل: ماذا تحتاج مأرب بعد؟
مأرب تحتاج إلى الكثير من المقومات الأساسية لنهضتها، لن تزدهر مأرب كما يجب بشوارع أو جامعة أو مستشفى إن لم تكن هناك استراتيجية ثاقبة بعيدة المدى، فإن هذا البنيان ما هو إلا ديكور لا يعكس التنمية المستدامة لها، لا بد أن تنبثق استراتيجية كهذه بشكل كلي ومتكامل تبني مأرب ميزة تنافسية خاصة بها، استراتيجية اقتصادية واجتماعية وسياسية خاصة بكينونتها تميزها عن باقي المناطق اليمنية تعيد لها أمجاد بلقيس وسبأ.
سأختصر هنا أهم المقومات الأساسية التي على مأرب النظر في بنائها بشكل متوازٍ مع أي مشروع تنموي آخر، بعض هذه المقومات قد تخص إقليم مأرب في التنفيذ وبعضها تُعنى بها اليمن كدولة تعاني ويلات الحرب، وتسعى ليمن سعيد (والتي بنظري يجب هي الأخرى أيضاً أن تبدأ في النظر في رسم استراتيجية اليمن لتسهيل ودعم تنمية الأقاليم واليمن لاحقاً".
وقبل أن أسرد هذه المقومات علينا أن نتذكر أنها مأرب الحقوق والحريات والمواطنة المتساوية والعدالة والقانون.. مأرب الأبية، مأرب بلا قات.
ومن ثم يأتي العمران وتأتي المقومات التي يجب أن تبنيها مأرب بشكل متوازٍ ومتكامل.
1- البنية التحتية الأساسية:
الطرق والمطارات، والمرافق العامة، مثل: المياه، والطاقة، وشبكة الهواتف.
2- البنية التحتية المعلوماتية:
تكنولوجيا الاتصالات، وشمول واتساع تغطية شبكات الإنترنت ونطاق الشبكات اللاسلكية.
3- التعليم والمهارات في مجالات مثل:
– العلوم والهندسة، وهندسة المعادن والتكنولوجيا والطاقة البديلة، ودعم دراسات المرحلة الجامعية ومستويات ما بعد التخرج.
– المهارات التقنية والتدريب المهني من خلال مؤسسات التدريب المهني وغيرها.
– دراسات في إدارة الأعمال والتسويق والقانون والسياحة والزراعة والاقتصاد، مع التركيز الأهم على مهارات إدارة المشاريع الخاصة وعلوم الحاسوب والبرمجة الحديثة big data and blockchain.. إلخ.
– دراسات الجيولوجيا وعلم المعادن والنفط وعلم الحضارات والتاريخ وغيرها من العلوم الإنسانية التي ستسهم في رفد مأرب حضارياً، والكشف عن مكتنزاتها الأثرية.
– دعم وتوجيه وإدراج وإشراك الدراسات الأكاديمية والطلاب في رفد المحافظة ونهضتها.
4- البناء المؤسسي:
بناء المؤسسات التنفيذية والتشريعية والقضائية والعمل على الإصلاح القانوني، ومواكبة عصر العولمة والتكنولوجيا، واستصلاح قانون الأراضي وقانون الاستثمارات وقانون الاتصالات وقانون الشفافية والفساد، والقوانين المعنية بالمناقصات والعقود، والقوانين التجارية والبنكية، وغيرها من القوانين المساعدة في التنمية والمعاصرة والجاذبة للاستثمارات والتنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية.
5- رسم السياسات العامة والميزانيات:
خدمات الدعم التقنية بما في ذلك المعايير والجودة والابتكار، وتحديد الحوافز، وتفعيل جهاز قضائي وتنفيذي بكفاءة عالية وفاعلية مطلقة.. إلخ.
6- التزامات القطاع الخاص:
تدشين مشاريع واعدة تساعد على رفد الاقتصاد بحيث تخدم الاستراتيجية التنافسية الخاصة بالإقليم بحيث تصب في اتجاه موحد.
ستحدد الاستراتيجية الخاصة بمأرب بناء على تحليلات ودراسات في المقارنة التنافسية والميزة التنافسية (competitive and comparative analysis) سأذكر آلية عملها في مقال لاحق.
ويجب أن تلاقي مشاريع كهذه تحفيزاً ودعماً من الدولة، إضافة إلى القطاع الخاص وتسهيل الوصول إلى الأسواق ودعم مشاريع وقطاعات سلسلة الإمدادات وسلسلة الأنشطة المضيفة للقيمة، والأهم تكوين صناديق استثمار محلية وإقليمية ودولية.
7- خدمات الدعم التقني بما في ذلك المعايير والجودة والابتكار وخلق فرص الابتكار وتنميتها.
8- التزامات القطاع المالي والمصرفي:
توفير فرص الحصول على التمويل، وتنوع بدائل التمويل وأدواته، وخدمة قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتسهيل الوصول للتمويل لخريجي الجامعات والأنشطة المدرة للدخل.
9- التزامات مشتركة بين الإقليم والحكومة.
10- تعزيز الحكم الرشيد.
11- الأمن الداخلي والعدالة وتطبيق القانون.
12- رفع الوعي العام بالاستراتيجية العامة واستراتيجية الإقليم خاصة وإعداد برامج وحملات إعلامية إذاعية وتلفزيونية وغيرها من أدوات الإعلام الحديث؛ حيث تبث وتناقش الخطط بشكل إجمالي وتفصيلي بالأرقام والمؤشرات والنتائج والتواريخ والميزانيات والجهات المنفذة والمسؤولة، بث برامج موجهة وداعمة للمجتمع تساعدها في فهم كيف تساهم في التنفيذ والمراقبة والتقييم، وبهذا تخلق توحيداً في الصف ويشترك الصغير والكبير، والمرأة والرجل في التنمية، وتعزز عند المجتمع روح الانتماء وامتلاك المشروع، مشروع الوطن والإقليم.
وأضرب هنا مثالاً على أهمية تنمية قطاع الاتصالات والتكنولوجيا:
ستصبح الإنترنت واسعة الانتشار بحلول عام 2020 وسيزداد مستخدمو التليفونات والتليفونات الذكية؛ حيث يتوقع أن يزداد عدد مستخدمي الموبايل من 1.3 مليار مستخدم عام 2014 إلى 1.75 مليار مستخدم في عام 2020، ويتوقع أن ترتبط 20 مليار جهاز مع بعضها في عام 2020 -Internet of Things – يعني مثلاً: ستصبح أجهزة البيت مثل جهاز الثلاجة والتلفاز والفرن مرتبطة بجهاز الموبايل ومرتبطة بقاعدة بيانات وعندها يصبح التحكم بكل الأجهزة عبر النت وكل شيء حينها يعيش في النت، وسوف يزداد إقبال المستهلكين على نظم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات؛ حيث تعد تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات صناعة عالمية.
وفي ظل التقدم الهائل في تكنولوجيا المعلومات مثل الـFintech، big data and blockchain قد تعيق جهود التنمية بالإقليم، خصوصاً إن لم تطور استراتيجية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي ستمكن المجتمع من التعرف على الاتجاهات العامة للاقتصاد العالمي والاتجاهات الخاصة الاجتماعية والتجارية، وتسهل إمكانية الوصول إلى المعلومات والتمويل والإجراءات الحكومية وأهمها الوصول إلى التعليم الإلكتروني؛ حيث بحر المعارف متاح وفي متناول اليد.
وكذلك سيدعم التخصص المعرفي في خلق مجتمعات تمارس المعرفة بدلاً من حصرها بين أيدي قلة من المتخصصين، وسيكون هؤلاء المستخدمون المهرة هم الجيل الجديد من صانعي منتجات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ألا وهو من يعول عليه أن يحمل مشعل المستقبل ويأخذ بناصية الابتكار.
هناك سبع استراتيجيات رئيسية يمكن أن تنطبق على أي من أو جميع الصناعات الواعدة:
الاستراتيجية 1: التوجه نحو التصدير والاستهلاك المحلي.
الاستراتيجية 2: دعم التوجه نحو تكوين المشاريع التجارية والمنشآت الصغرى والصغيرة، والمتوسطة والمنشآت الصغرى والشركات الصغيرة والمتوسطة مع مراعاة الشمولية، أي عدم التهميش والمساواة بين الجنسين، وخصوصاً النساء والمواطنة الشاملة.
الاستراتيجية 3: الاستثمار المحلي المباشر واستثمار المهاجرين المباشر والاستثمار الأجنبي.
الاستراتيجية 4: شراكة القطاع العام والخاص والكتل الصناعية.
الاستراتيجية 5: المجمعات العنقودية الصناعية.
الاستراتيجية 6: المناطق الاقتصادية.
الاستراتيجية 7: الإبداع والتركيز على التكنولوجيا.
سأذكر هذه الاستراتيجيات بالتفصيل لاحقاً.
وللحديث بقية.
ــــــــــــــــــ
ملاحظة: المقال لا يعكس واقع اليمن الحالي، ولكنه يحث على الأمل والتطلع للبناء بالشكل السليم والفعَّال.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.