التجهيل.. فلسفة الإعلام العربي

وتبنت أغلب المؤسسات الإعلامية العربية حديثاً برامج وقنوات جديدة موجَّهة لكافة شرائح المجتمع بدون استثناء، ولكن جميعها تؤدي نفس الغرض، المزيد والمزيد من التجهيل، فعلى سبيل المثال البرامج الجديدة التي تعتمد على إعلامي منفرد فارغ الفكر يتحدث بكل الأمور الاجتماعية والسياسية والرياضية.. إلخ

عربي بوست
تم النشر: 2017/02/21 الساعة 02:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/02/21 الساعة 02:07 بتوقيت غرينتش

يعتبر الإعلام المؤثر الأكبر في ثقافة الجمهور ومهندس الفكر الأكثر سيطرة على العقول، وأخيراً ارتفعت سيطرة الإعلام بسبب تنوع الموارد الحديثة المدعمة بالتكنولوجيا، ولكن ومع كل هذه الطفرة في الإعلام ذهبت مؤسساته العربية تحديداً إلى بث المزيد من الجهل المغلف بطبقة من الثقافة المزيفة، وحوَّلت التفاهات إلى أولويات، ورسخت لأفكار وهمية أفرزت أيديولوجية متكاملة من الجهل، حتى أثرت في سلوكيات الفرد والمجتمع، مع قناعة تامة بالفكر المعوج، ورضا تام بواقع ثقافي ضحل، وتقبل الهوامش وتصويرها بطريقة توحي بأنها أساسية لا تقبل المساومة.

ولو راقبنا ما يقدمه الإعلام العربي مؤخراً من برامج أو مواد إخبارية لوجدناه يعتمد مبدأ الانحياز والتضليل، حتى ولو على حساب الحقيقة والمعلومة، بل وحتى الفائدة، وذلك لأن هذا النوع من الإعلام لا يخاطب متلقياً طبيعياً، بل هو موجه لتابع مبرمج على أغلب الأحوال، ولن يعجز هذا النهج عن تغيير الأفكار أو توطيدها باستخدام أساليب كثير منها يميل إلى التكرار المتواصل الذي يهدف إلى إقرار الفكرة حتى في العقل اللاواعي، وتحديد التوجه تماماً كما تفعل الإعلانات، وأصبح هذا النوع من الإعلام سلاحاً خطيراً يحتاج لمن يكافحه بالوقاية أو بنفس أسلوبه بالغزو الذي يستهدف الفكر والثقافة، وبحسب الدراسات الحديثة عن ذكاء وثقافة الشعوب، وجدت إحدى الدراسات أن الوعي والذكاء مرتبطان بشكل طردي مع حرية الإعلام ومحتواه الزاخر بالحقائق والتوعية المتواصلة وحيادية منتجاته، وما يقدمه من برامج خيرية متخصصة.

وتبنت أغلب المؤسسات الإعلامية العربية حديثاً برامج وقنوات جديدة موجَّهة لكافة شرائح المجتمع بدون استثناء، ولكن جميعها تؤدي نفس الغرض، المزيد والمزيد من التجهيل، فعلى سبيل المثال البرامج الجديدة التي تعتمد على إعلامي منفرد فارغ الفكر يتحدث بكل الأمور الاجتماعية والسياسية والرياضية.. إلخ، ويفندها بطريقة شعبية تتماشى مع توجهه السياسي أو انتمائه الحزبي بشكل يجعل المتابع يعتقد أن هذا الشخص من العظماء والمفكرين حتى لو كان فاحش الألفاظ، ويقذف الدول ويشتم الأشخاص، أيضاً البرامج عديمة الفائدة التي تؤصل فكرة الإحباط مثل المسابقات الواقعية التي تبث لساعات طويلة على مدار اليوم لتفرز الفائز الذي مارس أكبر قدر من السخافة، وأصبح من مشاهير القرن،

ناهيك عن نشرات الأخبار المحشوة بالأنباء العديمة الأهمية التي -للأسف- تتصدر النشرات، وكأن المتابع ينتظر بفارغ الصبر سماعها، كذلك البرامج التي تستقبل شكاوى المواطنين، والتي لا تقدم لهم سوى مساحة من التنفيس بدون الوصول لحل جذري، وهي على الأغلب تفضح الفساد بطريقة مزيَّفة تجعل منه ظاهرة مقبولة يمكن التعايش معها، وغيرها الكثير من البرامج التي تبثها آلة الإعلام العربي، وأغلبها على الأرجح فارغة ومفرغة لا تقدم لمتابعها إلا ضرباً من الجهل والتضليل، تهدد أمنه الثقافي، وتعبث بوعيه العام، وتسدل الستار على أهم القضايا الحيوية التي تلامس حياة وواقع المواطن.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد