أمسى المُجتمع ضائعاً وسط زحام الانتماءات، جاءت هوية التدين فيه لسد كل الفراغات الثقافية والفنية منذ زمن الصحوة، وسد كل الثغرات التي تُمكن الفرد في المجتمع من أن يطل على الانفتاح في العالم، تلك الهوية لم تتشكل في مجتمعنا بالصدفة ولم يكتسبها الفرد بالاختيار؛ بل جاءت من الفراغ وتشكلت نتيجة صدام الانتماءات في الوقت الذي تريد فيه تيارات التدين أن تفرض هيمنة هويتها على الآخر.
وإن تعددت الهويات واختلفت وتفرَّقت تبقى واحدة ذات هدف واحد باختلاف السبل المؤدية إلى ذلك، فتبادُل الأدوار هنا لن يغيِّر من المجتمع شيئاً، ولن يمحو التعصب المتأصل فيه ما دامت الهوية تمتلك نفس الطابع مع اختلاف الوجوه والأسماء.
هذا المجتمع بات اليوم مجهولاً لم يترك أي أثر فني أو ثقافي يُذكّر العالم به، في الوقت الذي اكتسبت فيه كل المجتمعات هويتها الثقافية والفنية؛ لأن قابلية العقول هناك مختلفة تماماً وشهيتهم المفتوحة لتذوق الفن والثقافة بالكاد نحس بها هنا.
حينما نريد أن نتذكر المجتمعات نميل تلقائياً لتذكر ما يميزها من متاحف بلوحات ومجسمات تشكل هوية ذاك المكان، وموسيقى تعزف أيقونة ذاك المجتمع، ومسرح يروي قصة الحياة فيه، ولأن ذائقة الفرد الفنية والثقافية هناك لا تكتفي بذلك فقط تراهم يتذمرون على الرغم من انتشار السينما، المسارح، ودور الأوبرا وغيرها؛ لأنهم باختصار تعدَّونا بمراحل كثيرة ولا يريدون التوقف عند تلك النقطة فقط، فهم مقتنعون تماماً بأن العالم يواصل مسيرته في التقدم الفني والثقافي ولن ينتظر أولئك الذين لم يبدأوا بعد تشكيل هويتهم الفنية والثقافية ليلتحقوا بالركب!
وفي الوقت الذي كرّست فيه المجتمعات وقتها لبناء مجتمع حضاري ومثقف وفني، يأتي مجتمعنا ليستغل غيابها عن الوسط الرياضي ويبذل الجهد والمال والوقت ليبسط نفوذه في هذا المجال، ظناً منه أن ذلك مصدر قوة لصالحه، لكنه في المقابل أعلن إفلاسه ثقافياً وفنياً بجعله الرياضة واجهة اجتماعية تمثله في مواجهة المجتمعات الأخرى، ومع ذلك لم يفلح حتى في بناء واجهته الرياضية، وكل ما في الأمر أن المجتمعات المحيطة به منشغلة بما هو أهم.
وعلى الرغم من كل المعوقات التي تحول دون الثقافة والفن، لا ننكر الكثير من المحاولات الشبابية الخجولة لتشكيل الهوية الفنية والثقافية في المملكة، التي لم تستطِع حتى الآن تجاوز عراقيل التطرف الديني.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.