طالعتنا الصحف، صبيحة الأحد قبل الماضي، الموافق 12 فبراير/شباط 2017 بأنّ انتشار الطحالب تسبب في موت 170 ألفاً من أسماك السلمون في تشيلي "ثاني أكبر مصدر للسلمون في العالم بعد النرويج"، ونود تسليط الضوء على هذه المشكلة الخطيرة.
تمثل المياه ما بين 90 و70% من جميع الخلايا الحية، وعاملاً أساسياً في دعم الحياة بشكلٍ عام، ومع استعمال الماء في أغراض متنوعة، منها صناعة المنظفات المنزلية، والتبريد الصناعي، وتوليد الطاقة، والري بما تحويه من أسمدة ومخصبات، ومياه الصرف الصحي، والتخلص من النفايات، فإن المسطحات المائية تمثل المسار الأقل كُلفةً اقتصادية لنقل هذه المواد.
ينجم عن ذلك أن يتم تصريف المياه المستخدمة في شتى المجالات الحياتية تقريباً في المسطحات المائية، وكنتيجة لاستخدام الفوسفات في المنظفات الصناعية، فمن البديهي وصولها للمسطحات المائية، ومن ثمّ حدوث كوارث قد لا تُحمد عقباها على المدى القريب، ومن بين تلك الكوارث ظاهرة الإثراء الغذائي.
الإثراء الغذائي Eutrophication
ظاهرة الإثراء الغذائي تعرف أيضاً بظاهرة التخثث والتتريف والشِّبع الغذائي والتغذية الفائقة أو الوفيرة، وهذه التسمية مأخوذة من الكلمة اليونانية eutrophia ومعناها التغذية الوفيرة، ولذلك فإن التعبير الأكثر مناسبةً للظاهرة التي نحن بصدد الحديث عنها هو "Hypereutrophication" وللتعرف على هذه الظاهرة عن قرب سنعرض لبعض الأحداث التاريخية الهامة التي ساهمت في التعرف على مسببات الإثراء الغذائي، وكذلك عواقبه الوخيمة على البيئة والإنسان.
عانت بحيرة زيوريخ Lake Zurich السويسرية من ازدهار الطحالب الخضراء المزرقة، كنتيجة لزيادة معدلات الصرف الصحي من المباني الجديدة التي أقيمت على شواطئها، كما وجِد أن الأراضي الزراعية الخصبة المحيطة ببحيرة ليفين Lake Lavine الأسكتلندية لها تأثير واضح في نمو العوالق النباتية مع مرور السنوات، ففي الفترة ما بين 1954 و1904 حدثت زيادة ملحوظة في أنواع الطحالب الخضراء المزرقة والكلوروكوكاس، وفي هذا إشارة لوجود الإثراء الغذائي، ولكن لم يتم التأكد من سبب هذه الظاهرة، ولم يربط العلماء وقتها بشكلٍ مؤكد بين مياه الصرف الصحي وازدهار نمو الطحالب.
لوحظ أيضاً في خليج تشيزبك Chespeak Bay الأميركي ظهور تلك الأنواع من الطحالب، وكذلك في بحيرة كاريبا Lake Kariba وهي من أكبر البحيرات الاصطناعية، وتقع على طول الحدود بين زامبيا وزيمبابوي، وبحيرة فولتا Lake Volta وهي أيضاً من أكبر البحيرات الاصطناعية في العالم، وتقع في غانا، بالإضافة إلى عدد كبير من البحيرات في أوروبا وآسيا، وأنحاء متباينة على سطح الكوكب الأزرق.
في الستينيات من القرن المنصرم، وكنتيجة لانتشار الطحالب الخضراء المزرقة التي قامت بتغطية بحيرة إري Lake Erie، وهي البحيرة الرابعة من حيث المساحة في أميركا الشمالية، والعاشرة عالمياً من حيث المساحة، وترتب على ذلك انهيار النشاطات التي كانت تقام على هذه البحيرة كالرياضات المائية، والصيد التجاري، والسباحة، وتوليد الطاقة.
وتأسيساً على ذلك فقد قام والي جونسون، المدير الأول لمعهد المياه العذبة الكندية، وبمساعدة رونالد هيز، رئيس مجلس أبحاث المصائد السمكية الكندية، بإخبار الحكومة الفيدرالية أنهما قادران على تفسير ظاهرة انتشار البكتيريا الخضراء المزرقة في حال قاما بإحداث تلويث مُتعمد لبحيرة كاملة بالمخصبات الزراعية، وسبب ذلك أنّ الرجلين تكهنا بتورُّط المخصبات الزراعية في ازدهار النمو الطحلبي بالبحيرات والمسطحات المائية. وفي عام 1969 تحقق مطلبهما وبدأ تنفيذ خطة العمل، واستمرت الدراسة حتى منتصف السبعينيات، وعندها قدما التفسير العلمي القاطع حول ظاهرة ازدهار الطحالب، وقد ظهر انتشار لغطاءٍ كثيف من الطحالب ذات اللونين الأخضر والأصفر في البحيرة التي عوملت بالفسفور.
أقنعت تلك النتائج الحكومة الكندية بأن هناك حاجة ماسة لتقليل وجود الفوسفات في المنظفات الصناعية، وبناءً على ذلك قامت كندا وعدد من الولايات الأميركية بمنع وجود الفوسفات في المنظفات، في خطوة تالية قامت دول أوروبا بحظر استيراد المنظفات الصناعية المحتوية على الفوسفور بالإضافة لحظر استخدام المركبات الفوسفاتية في المنظفات الصناعية داخل أوروبا.
في عام 1793 نزل الملاح الإنكليزي جورج فانكوفر George Vancouver مع طاقمه إلى أراضي كولومبيا البريطانية في منطقة تُعرف حالياً بخليج السُم؛ حيث تعرض البحارة للتسمم، ومنهم من لَقِي حتفه جراء تناول المحاريات المتواجدة في تلك المنطقة. عَلِمَ فرانكوفر -بعد فوات الأوان- أن السكان الأصليين لهذه المنطقة لا يتناولون المحار في الفترة التي يظهر عندها وميض مياه البحر ليلاً، وهو ما يُعرف بالفسفرة؛ نسبةً للفوسفور؛ حيث تكون نسبة الفوسفور في هذه المحاريات عالية جداً وشديدة السُّميَّة.
وقبل أن نستطرد في الحديث؛ ينبغى علينا الإشارة إلى أن الطحالب الخضراء المزرقة يتم تصنيفها حالياً ضمن البكتيريا؛ وذلك لوجود صفات مشتركة تجمع هذه الطحالب بالبكتيريا مثل كونها خلايا بدائية النواة، وتتكاثر بالانشطار الثنائي البسيط، وجدارها الخلوي يتكون من الجلوكوبيبتيدات، وعند صبغها بصبغة جرام فإنها سالبة الجرام، كما أن الخلايا القادرة على الحركة منها تتحرك بواسطة الانزلاق مثل البكتيريا المنثنية، وتأسيساً على ذلك؛ فإن الطحالب الخضراء المزرقة تُعرف الآن بالبكتيريا الخضراء المزرقة Cyanobacteria.
هل الإثراء الغذائي ظاهرة أحدثها الإنسان؟
يحدث الإثراء الغذائي بصورة طبيعية دون تدخل الإنسان، بيد أن الفرق بين الإثراء الغذائي الناشئ عن الطبيعة يختلف عن الإثراء الغذائي الناجم عن تدخل الإنسان تماماً، ولنضرب مثالاً حول ذلك، فالإثراء الغذائي الطبيعي قد يستغرق آلاف السنين، في حين أنه في المياه السطحية كنتيجة للأنشطة البشرية يؤدي زيادة تركيز الفوسفور عن 0.05 مليغرام إلى تعزيز نمو العوالق المائية Planktons والطحالب بشكلٍ كبير، كما أن بعض المسطحات المائية يشار إليها على أنها فقيرة التغذية Oligotrophic وتحتاج آلاف السنين كي تتحول إلى مسطحات عالية التغذية Eutrophic وغنية بالنباتات المائية.
وظاهرة الإثراء الغذائي قد تظهر في أي مجرى مائي (محيط – بحيرة – نهر – خزانات مائية)، وذلك عند زيادة الأملاح المغذية كالفوسفات والنترات بتلك المجاري، ونظراً لتوافر الأملاح المغذية في بعض المجاري المائية، فإن الفرصة تكون مواتية لنمو بعض الطحالب مثل طحلب microcystis sp وطحلب الكلوريلا chlorella وطحلب peridinium والطحالب الذهبية وطحلب cylindrospermopsis raciborskii وطحلب anabaena circinalis وطحلب oscillatoria وكذلك raphidiopsis بالإضافة إلى cyanobacteria وغيرها.
بعض هذه الطحالب تفرز سمومها مما يضر بالبيئة المحيطة وبالإنسان بالتبعية، التكاثر الواسع للطحالب يؤدي لحجب ضوء الشمس عن الأحياء المائية، ومن ثَّمَ موتها، فعلى الرغم من أنّ الطحالب ذاتية التغذية، وتحتوي على الصبغات الخضراء المعروفة باليخضور Chlorophyll وبالتالي تقوم بعملية البناء الضوئي، وتزود المياه بالأكسجين، ويماثل دورها في الماء دور النباتات في اليابسة، إلا أن التكاثر المبالغ فيه للطحالب في الماء يمثل خطراً على البيئة المائية والإنسان، وعند موت الطحالب فإنها تغوص في القاع، وتعمل البكتيريا المحللة على تحويل المواد العضوية لمواد غير عضوية، وتحتاج خلال ذلك لكميات كبيرة من الأكسجين للتنفس الخلوي، مما يؤدي لنضوب الأكسجين، وموت الأسماك.
كما أن الفضلات الإخراجية للبكتيريا مثل الميثان والأمونيا، وكذلك نواتج التحلل تتركز في قاع النظام البيئي المائي، مما يعمل على زيادة الغازات السامة، والمواد ذات الروائح الكريهة، وهو سبب آخر لموت الأسماك، فضلاً عن سُنُوحِ الفرصة لنمو أنواع خطيرة من الكائنات الدقيقة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.