وأنا أتجول في أحد المراكز التجارية؛ إذ يتراءى لي أن كل الأروقة مزركشة باللون الأحمر، وتتخللها عبارة بالإنكليزية: "Happy valentine's day"، واكتظاظ غريب مفاجئ، وكأن مقتنيات العالم ستنتهي، الكل يحمل علب الهدايا المغلفة بدقة متناهية، أتمعن المارة واحداً تلو الآخر.
عجباً هم يبيعون الوهم، والشعوب المتعطشة للحب تشتريه وتتعايش معه، أو قد تعتقد أنها ستعيش هذا الوهم الجميل يوماً ما، أو لربما كان ذلك هروباً من واقع الأمس الممزوج برائحة الخراب.
عيد الحب يحبو نحونا إلى أن صار بيننا، من خلال الانفتاح على الثقافات، وكذا القسط الوفير لوسائل التواصل الاجتماعي، التي جعلت من العالم قرية صغيرة جداً، وكذا لإعلامنا المنفتح بلا حدود، الذي يصوّر لنا واقعاً غير المعيش.
ولا يمكن لنا بأي شكل من الأشكال أن ننفي وجود الحب كمشاعر جميلة وأحاسيس نبيلة تقودنا إلى التعاون والتعايش، ولا يمكن حصر الحب بين الرجل والمرأة؛ بل أعمق بكثير من ذلك، فهناك حب العبد لربه، وحب الأهل.. وغيرها، فعواطفنا هي الدافع الأساسي لكل انفعالاتنا كيفما كانت، وكما يقول دانييل غولمان في كتابه الذكاء العاطفي: "إن البيولوجيين الاجتماعيين يشيرون إلى تفوق القلب على العقل، في تلك اللحظات الحاسمة، عندما يحاولون تخمين لماذا أعطى التطور العاطفة مثل هذا الدور الرئيسي في النفس الإنسانية، وهم يقولون إن عواطفنا هي التي ترشدنا في مواجهة المآزق والمهام الجسيمة لدرجة لا ينفع معها تركها للعقل وحده، مثل مواجهة الأخطار، أو خسارة أو فقدان شيء أو شخص عزيز، وما يستتبع ذلك من حزن وألم، أو العمل بمثابرة لتحقيق هدف ما على الرغم من الإحباط".
وكما أنه لا يمكن لنا أن ننكر مساوئ الحب، فمن مساوئه أنه يورث الجنون، كما فعل بقيس الذي هام بليلى حين مُنع منها.
لكن الأمر يختلف كلياً بين شبابنا الناشئ الذي بات يتعاطى مع الحب وطقوسه من احتفالات وبهرجة باسم الانفتاح والتحرر، وكذا تجريد الحب من قيمته السامية إلى مجرد علاقة جسدية وغريزية تجمع بين شاب وفتاة، لا يعدو الحب عندهم أكثر من إسقاطات لأمانيهم العاطفية على أرض الواقع، تماشياً مع مستجدات المثيرات الخارجية من أفلام ومسلسلات وغيرها التي تصور للمشاهد سيناريو الواقع على غير واقعه الحاصل والمعيش.
فكم من قلوب مزّقت؟ وكم من نفوس ظلمت باسم أكذوبة الحب عند أناس يجهلون أبجديات الحب الحقيقي، يعشقون مقاصدهم الشيطانية، ويهيمون بفرط الأنانية؟!
وما أكثر حالات الحب التي لم تكن إلا أحلام يقظة تحولت إلى سراب في صحراء قاحلة؛ ليكتشفوا أنه وهم الحب وليس الحب.
ما أحوجنا إلى الحب في عالمنا، إلى نَشر الخير عوض الشر، والسلم عوض العنف والتطرف، ما أحوجنا اليوم إلى الحب حقيقة وليس زيفاً، ما أحوجنا إلى الحب في شتى القضايا الإنسانية والقومية، ما أحوجنا إلى صنع الحب بدل الحرب.
فهل عيد الحب سيمطر على فلسطين وروداً بدل القذائف؟ وهل سيسقي سوريا رحيق الأمان بدل الخراب؟ والقائمة تطول بطول البلدان المغلوب على أمرها، وفي ظل كل التناقضات التي يصوّرها لنا العالم، وفي معركة ضمنية بين الخير والشر.. وبين الحب والحرب، يبيعون لنا وَهمَ الحب متناسين أننا نحيا بين ثنايا الحرب.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.